مدار الساعة - الافتتاحيات والختمات من أصناف المصنفات الإسلامية المبتكرة في القرون المتأخرة، وهذه الكتب -في بابها- عظيمة النفع، وجليلة القدر، ومشحونة بالفوائد النادرة، إلا أنه قل الاعتناء بها في هذا الزمان عند كثير من طلبة العلم مع استحقاقها بالتنويه والإشادة.
وما هي الافتتاحيات والختمات؟ وما مقاصدها وفوائدها؟ ومتى ظهر هذا اللون من التصنيف؟
الافتتاحيات: “هي تآليف وضعها مؤلفوها خاصة لشرح مقدمة أو افتتاح كتاب من كتب أهل العلم”[1]
وبعبارة أخرى: هي “مصنّفات يضعها العالم أو يمليها برسم الشروع في إقراء كتاب من الكتب أو تدريسه”[2]
الختمات: وأساس هذه الكتب، هو مجلس ختم من إقراء كتب في الحديث أو السيرة أو الفقه أو غيرها من الفنون.
يتناول الشيخ في مجلس الختم عادة شرحا لآخر حديث في الكتاب أو آخر جملة أو فصل، ويبين أيضا طرفا من منهج المؤلف في كتابه، وخصائص الكتاب، ومزاياه، ويعدد مناقب مؤلفه، ويسرد أسانيده إليه، وينثر في غضون ذلك إفادات علمية متنوعة، مما كان مناسبة لإبراز مقدرة العالم ومهارته العلمية، ولذلك لم يكن يتخلف عن تلك المجالس أحد، فكان يحضرها كبار العلماء والطلبة والأمراء والأعيان ووجوه المجتمع، فهذا المجلس بمثابة الامتحان للعالم لتقييم علمه.[3]
“وهذه الختمات قد تكون محاضرات يلقيها الشيخ ولا يكتبها، أو يعتنى بكتابتها فيما بعد، والعادة أن يكون الطلبة أو طالب نجيب يكتبون كل ما يتلفظ به الشيخ، حتى إذا انتهى سلموه ما كتبوا، فيراجع ذلك، ويزيد وينقص، ثم يحرره على شكل مؤلف”[4]
1 – التعريف بمكانة المؤلف العلمية، إضافة إلى جوانب أخرى من حياته
2 – التعريف بالكتاب ومميزاته
3 – بيان منهج الكتاب وطريقة الاستفادة منه
مثال في الافتتاحيات على صحيح البخاري حيث يتناول فيها ما يلي في الغالب:
1 – “الكلام على فضل العلوم والعلماء ومجلسه وتعليمه وخاصة علم الحديث.
2 – الكلام على سبب اقتصار البخاري على البسملة مكتفيا بها عند الحمد لتضمنها معناه اقتداء، وجريا على سنن الصدر الأول وفي مقدمتهم النبي صلى الله عليه وسلم في رسائله.
3 – الكلام على سبب تصدير الجامع الصحيح بترجمة بدء الوحي بيانا لمقصد المؤلف من كتابه.
4 – التعريف بالإمام البخاري والكلام عن الجامع الصحيح وشرح حديث النية متنا وسندا والختم بالدعاء والصلاة والسلام على النبي الكريم”.[5]
وهي فرصة قصوى أيضا لاستثمار الوقت، حيث تمُكّن القارئ في وقت قصير أن يتسلل عبرها على كشف مضامن الكتاب وطرق الانتفاع بما في طياته.
يقول الشيخ عبد اللطيف بن محمَّد الجيلاني الآسفي “وتعتبر كتب الافتتاحيات – وكذا الختمات- مرجعاً مهماً في دراسة مناهج المصنفين؛ إذ يتضمن كثير منها خلاصة الاستقراء لتلك المناهج، كما أنها مصدر لا يستغنى عنه فيما يتعلق بتراجم العلماء، ومعرفة أسانيد الكتب ومدى انتشارها واهتمام الناس بها.”[6]
يقول الشيخ الجيلاني الآسفي: تُعَدُّ هذه الرسالة – يعني مقدمة إملاء الاستذكار للسلفي- من كتب الافتتاحيات، ويبدو أن الحافظ السِّلفي هو أول من شَهّرَ هذا اللّون من التصنيف بين المحدثين، إذ له مقدمة أخرى على كتاب معالم السنن للخطابي.
وممن حذا حذوه في هذا الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842 هـ) حيث ألف كتاب: “افتتاح القاري لصحيح البخاري”، وكذلك ألّف الحافظ السيوطي (ت 911 هـ): “رفد القاري بما ينبغي تقديمه عند افتتاح صحيح البخاري”، ثم كثر تصنيف الافتتاحيات عند المتأخرين؛ لاسيما على صحيح البخاري.”[7]
وأما التصنيف في الختمات فإنه متأخر عن الافتتاحيات نظرا لطبيعتها، إذ هي عبارة عن عقد مجالس حفلة الانتهاء من إقراء الكتب، فقد لم يقصد وراءه تأليف أو تدوين أصالة.
“ولم يشتهر التصنيف في الختم إلا مع مطلع القرن التاسع الهجري، فألف في ذلك العلامة المحدث المقرئ أبو الخير محمد بن محمد الجزرى ثم تلاه الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبى بكر القيسى الدمشقي المعروف بابن ناصر الدين فألف في ختم البخارى ومسلم…ثم أتى بعدهما السخاوي فاعتنى بتصنيف كتب الختم عناية كبرى لا نجدها عند غيره من المصنفين، فألف ثلاثة عشر كتابا في ذلك”[8]
ثم إن لأهل المغاربة في هذا المضمار صفحات المجد والفخر والفضل، وبلغ بهم شرف الذكر بما حازوه من العناية الفريدة المتميزة المستمرة في نظم مجالس الافتتاحيات والختوم، حيث كان يعقدها علماء المغرب في المساجد والمدارس والزوايا ويشهدها الجمهور والأعيان، ويكون ذلك اليوم عند الجميع يوما عظيما.
“فما من عالم من علماء المغرب إلا وتجد له أختاما في مختلف العلوم والمتون التى تعتمد في التدريس؛ سواء في الفقه واللغة والتفسير والحديث وغير ذلك من العلوم”[9] وكانت عنايتهم بافتتاحيات صحيح البخاري أبرز من غيره، ولهم فيها مؤلفات كثيرة لا توجد عند غيرهم من بلدان العالم الإسلامي.
والخلاصة أن كتب الافتتاحيات من ابداعات الإمام الحافظ أبو طاهر السلفي العلمية وتبعه الناس في ذلك، وأما كتب الختمات فقد ذاعت شهرتها – بعد وجودها- من قبل الإمام السخاوي حيث كانت له فيها يد بيضاء مشكورة، ثم نال أهل المغرب شرف إبقاء شهرة الافتتاحيات والختمات للكتب والاعتزاز بها، حتى أصبحت فيهم عادة حميدة إلى يوم الناس هذا.