مدار الساعة- قالت هيئة علماء المسلمين؛ إن الحل الشامل والكامل الذي يمكن بواسطته خلاص العراق مما هو فيه من صورة سوداء مأساوية؛ يستلزم أن يقوم على أسس رئيسة ومهمة، تعالج واقع الفشل المطبق الذي يرزح تحته منذ أربع عشرة سنة.
وأكدت الهيئة في رسالة مفتوحة ألقاها الأمين العام الدكتور مثنى الضاري اليوم الأربعاء ـ الذي يوافق الذكرى الرابعة عشرة للاحتلال الأمريكي البريطاني الغاشم للعراق ـ ان المشكلة الحقيقية التي ما تزال مستمرة؛ هي الاحتلال الأمريكي وما خلفه من عملية سياسية، إلى جانب دعم هذه العملية دوليًا وإقليميًا، واتخاذها سبيلًا وخيارًا وحيدًا لا فكاك ولا مفر منه؛ الأمر الذي زاد المأساة وأطال أمد المحنة والمعاناة على الشعب العراقي.
وبيّنت الهيئة في رسالتها؛ ان العراقيين ما زالوا هم الضحية في كل المراحل التي تلت الاحتلال السافر؛ إذ أُزهقت أرواحهم ظلمًا وعدوانًا، واعتقلوا عبثًا وتعسفًا، وعذّبوا بوحشية وسادية وتنكيل، ثم هجّروا ونزحوا وتغربوا، وهُدمت بيوتهم وجُرّفت مزارعهم وحُرقت بساتينهم وصودرت ممتلكاتهم، ومازالوا يدفعون ثمن هذا الاحتلال الذي يعد جريمة العصر الحديث، بلا أي جُرم اقترفوه.
ومضت الهيئة في رسالتها إلى القول: "ان صوت العراقيين مغيّب ودورهم مهمّش، وتطلعاتهم للتغيير وبناء مستقبلهم ومستقبل بلدهم تُقمع وتُوأد في مهدها فور انطلاقها" .. مشيرة إلى انهم وصلوا إلى حالة اليأس ازاء أي خير يأتي من خارج بلدهم، أو ممن يتسلط ويتحكّم بمقدراتهم من السياسيين.
وشددت الهيئة على ان الاستمرار في سياسة نبذ وتجاهل الجهود الجادة والحقيقة التي تحقق للعراقيين حريتهم وأمنهم واستقرارهم ووحدتهم؛ والإصرار على تجريب الحلول السابقة دون وضع رؤية لحل شامل وكامل للقضية العراقية، وغياب الجهد العربي والإقليمي الواعي والفعّال والمحقق للتوازن في العراق أمام الهيمنة الإيرانية؛ لن يحقق للعراقيين شيئا يذكر، وسيكون الفشل نتيجته كسابقها .. محذرة مما سيخلّفه ذلك من تداعيات مؤلمة تزيد من معاناة العراق والعراقيين.
وفي هذا السياق؛ نبهت الهيئة إلى ان واقع الفشل الذريع للعملية السياسية؛ يستدعي من المشاركين فيها أو القريبين منها أو الراغبين في دخولها؛ المراجعة الحقيقة والجادة لجدواها .. مؤكدة ان الضوء الأمريكي الأخضر ـ في ظل الإدارة الجديدة ـ والقاضي باستمرار العملية السياسية وفقا لما بدأت به وانتهت إليه من قواعد ومحددات ظالمة وإقصائية وطائفية وعنصرية؛ يعني استمرار معاناة العراقيين لسنوات أربع قادمة.
وفي رؤيتها للحل الشامل والكامل الذي يمكن بواسطته خلاص العراق مما هو فيه؛ أوضحت الهيئة ان هذا الحل له مستلزمات وأسسًا رئيسة ومهمة، تعالج واقع الفشل المطبق الذي يرزح تحته العراق منذ الاحتلال وحتى هذه اللحظة، ومن أبرزها؛ التمسك بوحدة العراق أرضًا وشعبًا، ورفض تقسيمه، وحل القضايا المشكلة فيه، ومعالجتها في إطار سيادته ووحدته بالحوار البناء والجاد، وعلى نحو يضمن الحقوق للجميع.
وأشارت الرسالة إلى ان ذلك لابد أن يكون في ظل نظام سياسي وطني، ووفق آلية التداول السلمي للسلطة، واعتماد التعددية السياسية أساسًا لبناء الدولة، ونبذ كل أشكال الاستبداد السياسي، وطرق الإقصاء بمختلف أنواعها، مع ضمان استقلال العراق وسيادته، والعمل على إرجاعه الى مكانته الدولية، وإقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار، وتعزيزها على أسس مبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ومن الأسس الأخرى التي تمثل رؤية الهيئة لحل القضية العراقية؛ التكفل بحفظ ثروات العراق ومقدراته، وحمايتها من العدوان الخارجي، وبما يحقق للبلاد التنمية والتطور، ويعمل على إزالة آثار الاحتلال، ومحاسبة المفسدين وإعادة الحقوق الى أهلها، والتوقف عن سياسات الاحتواء والتطبيع غير المجدية مع حكومة بغداد، ومحاولات المحافظة على النظام السياسي القائم بكل ما فيه من كوارث ومثالب ومشاكل أودت بالعراق إلى الهاوية.
وفي معرض رسالتها؛ حيّت هيئة علماء المسلمين؛ المقاومة العراقية .. مستذكرة انتصاراتها ومواقفها العظيمة التي استطاعت الوقوف بوجه مخططات الاحتلال ومشاريعه وإفشالها وتعطيلها لعدة سنوات، ومشاركتها بالمحافظة على العراق والمنطقة جميعًا إلى حين، مؤكدة أن تغييب هذه المقاومة بكل وسائل الضغط والإقصاء والتنكيل وإيجاد الأضداد النوعية؛ لم يُجدِ ولن يجدي؛ حتى وإن أثر عليها سلبًا في مراحل مختلفة من عمرها.
ووجهت الهيئة دعوة للمقاومة بكل فصائلها لبيان رأيها مما يجري في الساحة والإعلان عن مواقفها وتسجيل حضورها؛ لتعيد الأمل للكثيرين، وتثبت أن المقاومة الحقيقية والحية هي أمل الشعوب في التحرر والانعتاق مما هي فيه، ولا سيما عندما تكون كالمقاومة العراقية؛ التي أثبتت أنها حركة تحرر واعية ومعبرة عن آمال العراقيين جميعًا، بعيدًا عن كل الفخاخ المنصوبة لها ومحاولات جرها إلى ساحات الغلو والمشاريع الخاصة والجزئية.
وفي ختام رسالتها؛ ابتهلت هيئة علماء السملين إلى الله عز وجل أن يلطف بالعراق والعراقيين وأن يزيل كرب المكروبين منهم، ويمنّ عليهم بالفرج القريب، وعودة النازحين والمهجرين الى ديارهم ومدنهم وقراهم، وأن يعم السلام في العراق والمنطقة باسرها.