مدار الساعة -
هضم النفس والتواضع: خلق كريم، وخلة جذابة تستهوي القلوب، وتثير الإعجاب والتقدير.
هو خلق بين خلقين، وقصد بين تفريطين، ووسط بين طرفين.. والممدوح منه ما كان متسما بالقصد والاعتدال؛ لأن الإفراط فيه داع للخسة والمهانة والتفريط فيه باعث على الكبر والعجب.
وفي مسند الشهاب عن عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَوَاضَعُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ ".
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ].
ولما احتضر سفيان الثوري دخل عليه أبو الأشهب وحماد بن سلمة فقال له حماد: يا أبا عبدالله! أليس قد أمنت مما كنت تخافه، وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين؟ فقال: يا أبا سلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار؟ قال: إي والله إني لأرجو لك ذلك.
وقد ذكر جعفر بن زيد: أنه راقب صلة بن أشيم ليلة، فصلى الليل حتى كان عند الصبح جلس فحمد الله تعالى بمحامد لم أسمع بمثلها ثم قال: "اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار فإن مثلي يصغر أن يجترئ أن يسألك الجنة".
وفي تفسير ابن أبي حاتم عن عقبة بن صهبان الهنائي قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن قول الله عز وجل: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} [ فاطر:32] فقالت: يا بني هؤلاء في الجنة، أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له رسول الله بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم".. فجعلت نفسها معنا رضي الله عنها وأرضاها.
لقد نظر هؤلاء الصالحون الصادقون في حق الله عليهم فعظموه وقدروه، ثم نظروا بعد ذلك في نفوسهم فعلموا عوارها وضعفها وعجزها عن القيام بحق الله؛ فأورثهم ذلك مقت نفوسهم والإزراء عليها، فتخلصوا من العجب ورؤية العمل؛ ففتح لهم باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربهم، وعلموا أن النجاة لا تحصل لهم إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، فإن من حقه أن يطاع ولا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.