الكاتب: جهاد المنسي
من يعتقد أن صفقة القرن المتعلقة بالصراع الفلسطيني الصهيوني والتي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب اخيراً في واشنطن بشكل أحادي، من يعتقد أن تلك الخطة وليدة أفكار إدارة ترامب وحدها فهو واهم، فواشنطن وطفلتها المدللة الكيان الصهيوني عملوا لسنوات طويلة لتهيئة الأجواء الإقليمية لحالة انكماش ونكوص نراها حاليا، واستطاعوا من خلال أدواتهم واعلامهم تكريس بعبع جديد في وجدان العربي العادي، واثارة نعرات طائفية وجهوية وعنصرية لحرف الانتباه عن القضية المركزية
ولذا فان سرقة القرن الأميركية، مهد لها من طرف واشنطن وتل ابيب طويلا، وهي نتاج أفكار صهيونية أميركية مشتركة، ومن يعتقد ان الصفقة تقتصر على حزب أميركي بعينه (الجمهوري) فهو واهم، فساكن البيت الأبيض مهما كان حزبه لا يحيد عن الفكرة الامبريالية، وليس له مناص من تنفيذ رؤية الصهيونية العالمية المتخالفة بالرؤى والأفكار مع قيادات الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة (الديمقراطي والجمهوري)، فالحزب الديمقراطي المنتمي له الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وضع الارضية والبنيان لترتيب الأجواء للوصول لصفقة القرن الأميركية، وهو الذي ساهم في تفتيت العرب وشعوبهم وخلق أعداء وهميين لهم من خلال ما يعرف مجازا بالربيع العربي والذي صب كله في صالح المخططات الامبريالية والصهيونية، وهو ايضا من ساهم في تشويه صورة الإسلام من خلال استنباط تنظيمات إرهابية دموية وفر لها دعما ماليا وتسليحيا
لو عدنا للتاريخ القريب فاننا نلحظ انه قد سبق الصفقة والحديث عنها تمزيق اواصر الوطن العربي واشعال فتن أهلية في كل شبر في بلاد العرب، ترافق ذاك مع زيادة الضغط على الناس من خلال لقمة خبزهم وتجويعهم، حتى باتت المطالبات المجتمعية السمة الأبرز لكل التحركات، وانكفأت القضية الفلسطينية في الصفحة الاخيرة في نشرات الأخبار، ولم يعد حضورها كما كان، ولم يعد الدم الفلسطيني الذي يسفك يوميا بيد النازيين الصهاينة سواء في غزة أو الضفة الغربية يحرك الكثير من وجدان مدن العرب
وايضا مهدت الولايات المتحدة لسرقة القرن من خلال تحييد حواضن العرب والعواصم التي كانت صاحبة القرار (دمشق، بغداد، القاهرة) فعمدت لاثارة فتن داخلية في سورية والعراق ومشاكل اقتصادية وأحيانا مناوشات إرهابية في مصر، كما استطاعت تل ابيب وواشنطن إثارة نعرات طائفية في المنطقة بهدف تحييد إيران عن المشهد، فرأينا تجار دين يتسابقون لإثارة فتن طائفية، ويؤلبون الناس على بعضهم بعضا دون أن يتذكر اولئك المتلونون ان فلسطين محتلة وان أقصى المسلمين يعاني انتهاكات يومية من قبل مرتزقة الاحتلال، فكلمة سني وشيعي التي لم تكن المنطقة تعرفها سابقا باتت هي الأكثر رواجا عند الناس، وقد ساهمت قنوات فضائية في بث خطاب كراهية لابعاد الناس من رؤية الكيان الصهيوني وأفعاله، فبات البعض يقارن إيران بالكيان الصهيوني ويضعهما بنفس المكان وأحيانا كان العداء لإيران يزيد عن العداء للكيان الصهيوني
لم تقف الأمور عند ذاك التمهيد لصفقة القرن، فتم شيطنة المقاومة، فبتنا نسمع أصواتا تنتقد المقاومة وترفضها وتطالب بسحب سلاحها، وتلك الأصوات لم نكن نسمعها سابقا، وبالتزامن بات التطبيع مع الكيان الصهيوني لدى البعض وجهة نظر، فيما كان في السابق عبارة عن انتهاك لقيم المجتمع، فلو عدنا للذاكرة قليلا سنتذكر ان صور المقاومين كانت ترفع في المسيرات والوقفات الاحتجاجية وتزين صفحات التواصل الاجتماعي، فيما بات اولئك أنفسهم الذين هتفوا للمقاومة دون النظر للطائفة يَرَوْن فيها (نبتا شيطانيا) ويرددون ما يردده الإعلام وما تقوله وزارة حرب الكيان الصهيوني حول خطر المقاومة، نظريا، مهدت واشنطن وتل ابيب الطريق بشكل كامل، واختارت الوقت والزمن المناسبين لإعلان سرقة القرن.(الغد)