التطورات الأخيرة على الملف الفلسطيني تشير بما لا يدع مجالا للشك ان الإدارات الاميركية كانت وما تزال العقبة الاساسية في وجه اي تقدم باتجاه حل عادل للقضية الفلسطينية، مع كل ذلك ما تزال الانظمة العربية مرتبطة بالادارة الاميركية وتسعى لرضاها وتتطلع إلى عطفها. الفلسطينيون وعلى لسان الرئيس عباس توصلوا إلى قناعة باستحالة التوصل إلى حل عادل مع وجود الوسيط الاميركي أيا كان الحزب الحاكم، فمن هاري ترومان الذي بارك انشاء الكيان الصهيوني العام 1948 إلى دونالد ترامب الذي حاول تحقيق قفزات جديدة لأحلام اسرائيل التوسعية لم يلاحظ العرب أدنى تحول في المواقف الداعمة لإسرائيل والمناهضة للحقوق والأحلام العربية
وسط هذه الأوضاع وفي ضوء هذه الحقائق يتساءل الشارع العربي بأصوات خافتة ومسموعة عن الخيارات العربية وآفاق العمل المستقبلي؟ على مسرح العلاقات بين الانظمة العربية والولايات المتحدة يوجد ثلاثة مستويات يرى الاول منها استحالة الابتعاد عن الولايات المتحدة او التخفيف من الاعتماد على الدعم والحماية التي توفرها لأنظمتهم وبلدانهم. أما التيار الآخر فيتبنى مواقف معتدلة تجامل الولايات المتحدة وتتجنب ازعاجها وتعتمد سياسات تتماشى مع أيديولوجيات ومصالح هذه البلدان. أما التيار الثالث فيضم الدول والانظمة التي أخرجتها الولايات المتحدة من حساباتها وفرضت على قياداتها وشعوبها العقوبات باعتبارها مصدرا للتهديد والازعاج للولايات المتحدة ومصالحها
على مدار العقود الماضية عاش الكثير من الانظمة العربية حالة من القلق والتوتر خشية غضب المارد الاميركي الذي أصيب بداء الاسلاموفوبيا فعدلت تشريعاتها وتبنت سياسات للتضييق على الاحزاب ذات الميول الدينية ودخلت العديد من الانظمة في سباق نيل شهادات حسن السلوك التي يمنحها الجانب الاميركي بتوصيات اصدقائها حتى جردت الامة من هويتها واعادت ترتيب صورتها لتتلاءم مع التوقعات الاميركية
كنتيجة لهذه التحولات اصبحت المقاومة ارهابا واصبح العدو ضحية وتحول التعاطف مع احتياجاته هدفا تتسابق على تحقيقه الانظمة الراغبة في نيل رضا القوى الاميركية المتصهينة للدرجة التي اصبح فيها التدين العدو الاول لبعض الانظمة. الخطة الاميركية الجديدة للسلام في الشرق الاوسط حملت التصورات التي شارك في صياغتها العرب والقائمة على افتراض ان الاسرائيليين مهددون وان على الفلسطينيين التخلي عن العنف لذا وجب التفهم لحاجاتهم لحدود آمنة وتجريد الكيان الفلسطيني المستقبلي من أي سيادة او سلاح
ما ان فرغ الرئيس الاميركي وصهره وأصدقاؤه من احتفالاتهم في الاعلان عن الصفقة الموعودة حتى توجهت الانظار إلى رام الله وعواصم الشرق الاوسط لسماع الرد العربي والموقف الفلسطيني حيالها. الافكار والمقترحات والشروط التي تضمنتها الوثيقة الاميركية الاسرائيلية التي غيب الفلسطينيون عن إعدادها ومراسيم اعلانها لقيت ارتياحا اسرائيليا ودهشة عالمية وغضبا عربيا من حجم التجاهل والازدراء للانسان العربي والقفز المتعمد عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين ومتطلباتهم
وسط المخاوف والشكوك من ان تحدث الصفقة تصدعا في الموقف العربي استجابت الدول العربية إلى دعوة السلطة الوطنية الفلسطينية وعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب. التباين في المصالح والحسابات للدول لم يثن الوزراء العرب من اتخاذ قرارات مناسبة واصدار بيان ختامي يرفض الصفقة، الرفض العربي جاء على خلفية انحياز مشروع الصفقة للطرف الاسرائيلي وافتقار مضامينها للحد الادنى من الشروط التي تعترف بالحقوق الفلسطينية وتلبي مطالبهم بإنشاء دولة كاملة السيادة على أراضيهم المحتلة وعاصمتها القدس
الرفض العربي كان الموقف الأنسب والاكثر انسجاما مع توقعات الشارع العربي الغاضب من الغطرسة والتعالي والتجاهل، وهو الاساس للعمل المستقبلي الذي تحتاج له القضية على الصعيد العربي والعالمي. السؤال الأهم يتعلق بمدى حرية وقدرة الانظمة العربية على دعم الموقف الفلسطيني والتأثير على الموقف الاميركي او التحرر من ضغوطه واشتراطاته
الغد