الأسبوع الأخير حمل اخبارا مهمة حول الاستثمار في ميدانين حيويين ومهمين هما الطاقة والتعليم. حتى اللحظة لا يوجد الكثير عن الخلفيات والاسباب للتحرك السريع والمفاجئ في الاتجاهين. أهو السوق، أم الاقليم؟ وفيما اذا كانت الخطوات مؤشرات مبكرة للانفراج الموعود الذي جرى الحديث حوله منذ زمن؟
الاقتصاد الاردني المثقل بالأعباء والديون يبحث عن بارقة أمل والناس في أرجاء البلاد يتطلعون الى ما يفكفك حالة الجمود ويعيد لهم الثقة بالمستقبل. خلال العقدين الاخيرين شهد الناس ظهور وانطفاء عشرات المشروعات في التعليم والاعمار والنقل والطاقة وغيرها
في معان الناس يتذكرون المشروعات الاستثمارية التي بشرت السكان بالسمن والعسل. فقد انطلق مشروع مصنع الزجاج الذي قيل انه سيكون احد اهم الاستثمارات للرمال النقية التي تزخر بها المنطقة وجرى الترويج لبناء مصنع لتجميع سيارات الروفر وتأسيس مصنع للجلود وبوشر بالتنقيب عن النفط لتتلاشى جميعا دون ان يترك اي منها أثرا واضحا على المكان واهله
في نفس المنطقة وجارتها الطفيلة استبشر الناس خيرا بانطلاق مشروعات الطاقة الشمسية فزرعت الجبال بتوربيدات حصاد الرياح وانتشرت حقول انتاج وتخزين الطاقة الشمسية التي اعتقد الجميع بأنها ستكون أحد مداخل الوصول للاكتفاء الذاتي قبل ان يكشف الشارع وجود اتفاقية استيراد للغاز الإسرائيلي بشروط مبهمة ليصبح لدينا فائض من الطاقة نبحث عن اسواق لتصديرها
حلم الناس باسخراج الزيت الصخري الذي تقاسمت امتياز التنقيب والاستخراج له ثلة من الشركات العالمية فدرست ونقبت وجربت واختفت دون ان يكتب لواحدة منها الاستمرار. وما يزال الملف النووي الذي بني على ان الاردن سيكون منجما لليورانيوم حائرا
التعليم العالي وكما في الطاقة يقدم على خطوات سريعة وغير متوقعة ففي مشهد تتزاحم فيه اكثر من ثلاثين جامعة على خمسين الف خريج سنويا ويعاني معظمها من نقص الموارد المالية يتخذ مجلس الوزراء قرارا بالسماح لثلاث جامعات خاصة للسير في تأسيس ثلاث كليات للعلوم الطبية بشروط ومواصفات جديدة. الاشتراطات الجديدة تقتضي ان تَنشأ الكليات بالشراكة مع جامعات عالمية مرموقة وتسعى لاستقطاب طلبة واساتذة من الخارج اضافة الى حزمة من الشروط الاخرى
القرار الحكومي جاء مفاجئا ومغايرا للسياسة التي اقرتها الاستراتيجية الاخيرة للتعليم العالي. قبل اشهر كانت الوزارة وقطاع التعليم يقفان في وجه كل الاقتراحات والطلبات التي تقدمت بها الجامعات الحكومية والاهلية لتأسيس كليات للطب فقد رفض طلب لجامعة الحسين وآخر للعقبة الخاصة وعدة طلبات لجامعات اهلية بحجج تعدد الكليات وتنامي اعداد الخريجين ووجود بطالة بين الاطباء والحرص على مستوى الخريجين
الكليات الجديدة تسهم في زيادة المشهد تشابكا وتعقيدا وتجعل من كل المبادئ المعلنة للاستراتيجية التي تسير عليها الجامعات حبرا على ورق. في الاردن اليوم اكثر من ست جامعات تشتمل على كليات للطب البشري والاسنان ويجلس على مقاعد دراسة الطب في الاردن والخارج قرابة 18 ألف دارس
غالبية الخريجين لا مكان لهم في سوق العمل المحلي ولا الاسواق العربية المجاورة. في كل يوم يعلن ديوان الخدمة المدنية ووزير العمل عن اهمية تجنب الدارسين للتخصصات المشبعة والبحث عن ميادين مطلوبة في السوق ويحث الجامعات على مواءمة تخصصاتها وسياسات القبول مع متطلبات السوق
في الجامعات والاعلام والشارع يتساءل الناس عن الدوافع وراء هذه الخطوة المفاجئة.. فالجميع يعلم ان الاستراتيجية الموجهة للتعليم لا تنصح او تتنبى هذا
في العام الماضي وقبيل تسلم الدكتور المعاني لحقيبة التعليم احتج اهالي محافظة معان وطالبوا مجلس التعليم العالي والحكومة بيان الاسباب التي حالت دون منح جامعة الحسين الموافقة على تأسيس كلية للطب بعدما سمعوا عن نية منحها لجامعة خاصة في العقبة. في المفرق والطفيلة ومعان تتطلع الجامعات الى تخصص الطب كوسيلة لتحسين معدلات الالتحاق وجذب الطلبة ورفع ايرادات الجامعة
المدهش في صيغة القرار انه يضع اشتراطات تشجع على السؤال عما إذا كانت الطلبات والجهات معروفة وجاهزة او على طريق التأسيس
اذا كانت الخطوة تشجيعية هادفة الى تطوير الاستثمار في التعليم نوعيا وفتح بواباته على مصراعيها للجوار والعالم فهل سيفتح باب الاستثمار للجميع؟ الى ان تتبلور الصورة ستبقى الفكرة واهميتها وتأثيرها على مستقبل التعليم وسياساته موضعا للاسئلة والتخمينات.
الغد