عدد من الوزراء، خرجوا بتصريحات في اكثر من فترة، تم تفسيرها بطريقة سلبية، وفي حالات معروفة تسببت تصريحات بعضهم بعواصف في الأردن، فاضطر هؤلاء ان يوضحوا لاحقا، وان يصدروا بيانات تشرح ما قالوه، والسبب انهم يتسرعون او ينزلقون، وكأن الأردن ينقصه كل هذا الاضطراب والتشويش، فوق ما فيه من تسلط علينا من المحترفين والهواة
قبل يومين، اجتمع رئيس الوزراء، مع أعضاء مجلس الاعيان، المفترض انهم بيت خبرة سياسية وازنة، يعرفون ويقدرون الازمات والمخاطر، ولديهم خبراتهم، وقال لهم بالحرف الواحد ان الأردن لا يمكن ان يعزل نفسه عن المنطقة التي تعيش احداثا متسارعة، ما يتطلب ان نعد انفسنا لسيناريوهات مختلفة، على مستوى المنطقة ، وأكد الرئيس يومها الثقة بالدولة والقيادة، على تجاوز كل الاحتمالات والتعامل معها
وكلام الرئيس صحيح، ولا أحد ينكره، لكن اللافت فيه انه يقال في توقيت يعاكس تماما كل إشارات التفاؤل التي تطلقها الحكومة، خصوصا، مع إعلانها عن الحزم الاقتصادية، اذ كيف يمكن ان تؤثر هذه الحزم على الاقتصاد، وتنعشه وتحفزه، في ظل هكذا تصريحات معاكسة، وكيف يمكن ان تقنع أردنيا اليوم بشراء متر ارض واحد، او شراء بضاعة بألف دينار، وانت تقول له ان المنطقة قد تتدهور شؤونها، وان الحرب قد تكون على الأبواب، خصوصا، ان مصطلح سيناريوهات المنطقة، يحمل عدة تأويلات، من انفجار الحرب في العراق، وصولا إلى انهيار اكبر في سورية ولبنان، وبقية دول المنطقة، او نشوب فوضى جديدة في موقع جديد، والخيال هنا خصب ومفتوح؟!
لا أحب ان أنتقد الرئيس، حتى لا أبدو واحدا من الفريق الذي يترصده او يتتبع كل خطأ له، او يتصيد أي هفوة، فهذا الفريق لم يترك لمن يريد ان ينتقد بدوافع حيادية، مساحة ولا مكانا، وبات المرء في مرات في صورة المنضم إلى هذه الميليشيا او تلك من الميليشيات السياسية والإعلامية التي تستهدف الرئيس وفقا للمشاعر السائدة في الدوار الرابع
في كل الأحوال، رئيس الحكومة لم يقدم نفسه منذ البداية سياسيا، هذا فوق ان مثل هذا الكلام الذي قاله على صحته، كان لا بد ان يقال في اجتماع مغلق، وألا يخرج إلى الاعلام، لأن الرسالة فيه سلبية، وتسبب نفورا وذعرا داخليا، وتعزز حالة الحذر والقلق السائدة بين الناس، التي تجعل اغلبهم يجمدون مدخراتهم، واموالهم، حتى برغم تراجع قيمتها الشرائية، وذلك بسبب مشاعر الخوف من المستقبل، الذي لا يبدو واعدا ابدا
من جهة ثانية فإن ابرز سلبيات الخطاب الحكومي على مستوى الحكومات المتتالية، الاعتماد على تكنيك الخوف وإثارة الخوف، فأنت اذا اعترضت على قرار ما، يتم اتهامك بأنك تهدد الاستقرار الداخلي، وتمس الامن والامان، وانت اذا رفضت رفع الأسعار، تساعد في انهيار الموازنة، وأنت اذا قررت عدم دفع فاتورة الكهرباء كونها تصب في جيوب الاحتلال، قد تجبر الأردن مع غيرك من مواطنين ثوار على دفع مليار دينار كشرط جزائي للشركة الأميركية الناهبة مع إسرائيل، للغاز الفلسطيني، رد الله فلسطين من غربتها
لا نريد من رئيس الحكومة تزيين الأمور، زورا وبهتانا، وتجميلها، وما قاله صحيح، لكن محمل الاعتراض على التوقيت، وخروج الكلام إلى الإعلام، في سياق يتناقض أساسا مع كل الرسائل التحفيزية التي حاولت الحكومة بثها بين الجمهور، عبر القرارات التي اتخذتها، وهذا امر يتأثر به كل أردني، وكل مستثمر، وكل مغترب، وكأننا نقول للناس، اصبروا قليلا، فلا احد يعرف إلى أي جهنم سوف تذهب المنطقة، وهذا شعور تولد أساسا منذ مطلع الربيع العربي، وتسبب بحالة انجماد كلي في الاقتصاد الأردني، ولا ينقصنا المزيد منه
ليس كل ما يعرف يقال، وليس كل كلام يخرج إلى الإعلام، وعمان الرسمية التي تتهم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وافراد الشعب، بالمبالغة والسلبية، تتناسى ان السلبية يتم إنتاجها أولا في مصانع رسمية، ويتم إنزال طبعاتها إلى الأسواق، فلا يلام من يشعر بالسلبية، بل يلام من لم يستطع ان يعرف الفرق بين المكاشفة، وهدم المعنويات.(الغد)