أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الملك يدشن لعقد جديد في الشرق الأوسط

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

بقلم: أيمن الغنميين

في مقابلته مع قناة فرانس 24 قبل عدة أيام جاءت إجابات جلالة الملك منسجمة مع سياسة هاشمية يتجاوز عمرها قرنا من الزمان، سياسة ربما تكون أكثر ملامحها وضوحا هو قراءتها للأحداث والتغيرات والتفاعل معها بما يتاغم مع الأبعاد الثلاث الرئيسية التي تحكم سياسة الدولة الأردنية منذ عشرات السنين، البعد الإسلامي والعربي والأردني على وجه الخصوص، وبما لا يتصادم مع العالمية التي أصبحت واقعا على أساسه نجد أن الاحداث الملمة بأقصى شرق آسيا، على علاقة وطيدة بما يحدث في الأمريكيتين.

أتت المقابلة عشية الجولة الملكية في أوروبا، والتي شملت بروكسل وباريس وتحضِّر جلالته لإلقاء خطاب هام في البرلمان الأوروبي في ستارسبروغ، إلا أن الأهم من هذه المناسبة هو أن حديث جلالته يعلن عن الرؤية الملكية لعقد جديد في الشرق الأوسط، الأمر الذي جاء واضحا على لسان جلالة الملك إذ قال: "نحن على أعتاب عقد جديد وليس فقط عام جديد" لتكون الجملة المفككة لرموز الرسائل الملكية المبثوثة خلال المقابلة بأكملها، وبما يجعل المتابع الجيد يعيد جسَّ كل إجابة لجلالته وصياغتها مجددا في قالب قراءة الأردن للمسار الصحيح، والذي يجب أن تكون عليه الامور لضمان الاستقرار في المنطقة لعشر أعوام قادمة.

وإذا ما سلمنا بصحة النظر إلى حديث جلالة الملك من هذه الزاوية، فإنه لا عجب أنه وعلى غير المألوف في خطابات جلالته وتصريحاته أنه تم تناول القضية الفلسطينية بالاهتمام المعهود، ولكن بزخم أقل مقارنة بالموضوعات الأخرى المتعلقة بملف الداخل الأردني مثلا، والذي أكده جلالة الملك في سياق حديثه حول تداعيات أزمة اللجوء السوري على الاردن، حينما صرح أنه يركز حول هذا الموضوع بالذات لما له من تأثير سلبي على الإقتصاد الأردني، مثمنا عمل الحكومة الأردنية على احتواء أعباء هذا اللجوء من خلال إطلاق عدة حزم للإصلاح الإقتصادي، فيما يحمّل جلالته أوروبا مسؤوليتها الأخلاقية تجاه بلاده، مؤكدا أنه لا يلوِّح بفزَّاعة اللجوء للضغط على القارة العجوز، إنما يتوجب عليها تقديم المزيد من المساعدة للأردن، إنطلاقا من كونه يقوم بما هو صحيح، أو بما هو أخلاقي على وجه الدقة.

وفي هذا السياق يشير جلالة الملك إلى أن الأحداث في الشرق الأوسط متشابكة، وبالطبع فإن لها تاثيرا على العالم بأسره، وفي الوقت الذي يكون فيه الأردن أنموذجا للإستقرار في المنطقة ويلعب دورا رئيسيا في إحتواء أزماتها فإن هذا لا يكفي، فتدعيم الإستقرار في دول المنطقة هو الحل الأكثر حكمة على المدى الطويل، مدللا على ذلك بتدحرج عدد ممن مقاتلي داعش من إدلب وصولا إلي ليبيا، وبالتالي فإن وصولهم عبر قارب يشق المتوسط شمالا إلى أوروبا، يحتمل أن يكون مرهونا بإستكمالهم لمتطلبات هجرة غير شرعية في المستقبل.

وفي إطار حديث جلالة الملك عن سوريا والعراق، يستند جلالته مجددا لتاريخ طويل من موهبة الأردن في قراءة الطالع الشرق أوسطي، فمنذ بداية الأزمة السورية راهن الأردن على الحل السياسي الذي يضمن جلوس كافة الأطراف في سوريا إلى طاولة الحوار، وهو الحل الذي يتصدر يتيما قائمة الحلول المتبقية بعد ٩ سنوات على الأزمة، والتي أفضت إلى بقاء النظام السوري متفوقا نسبيا في نهاية المطاف، إذ يجدد جلالة الملك الرِّهان على حل سياسي للأزمة، يضمن لسوريا كلها دستورا تتوافق عليه كافة الأطياف في البلاد.

أما عن العراق، فقد انطلق جلالة الملك في حديثه عنه ضمن الإجابة عن مدى إحتمالية نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران، فهو أمر لا يتمنى جلالته حدوثه، محجما عن الإجابة بنعم أو لا خصوصا وأن وقوع الحرب من عدمه يستند إلى التفاعل الصحيح من قبل المجتمع الدولي لخفض مستويات التوتر بين الدولتين، وهنا فإن جلالته لا يركز على صواب أو خطأ الولايات المتحدة في قرارها بتصفية سليماني، بل على كيفية التعامل مع الأمر بعد أن أصبح واقعا، وهنا يعرب جلالة الملك عن قلقه إزاء تحول العراق لساحة معركة مفتوحة بين المعسكرين، وتقويض ما تم تحقيقه خلال العامين الماضيين في مسيرة العراق نحو الإستقرار، وما سينسحب بشكل سلبي على الحالة في عواصم أخرى، تتواجد فيها إيران من خلال وكلائها، أي في دمشق وبيروت وأخيرا تأثيرا كل ذلك على الصراع الفلسطيني والإسرائيلي؛ فجلالته يعوّل على القادة العراقيين والشعب العراقي للنهوض ببلادهم، ويصرّ على أن الحل الوحيد يكمن في تمكين العراق من الوقوف على قدميه بدلا من المراهنة على وجود قواة النيتو مثلا، او الإكتفاء بمتابعة صراعات اللاعبين الإقليمين في الداخل العراقي، وما سيتبع ذلك من تخوف لعودة البلاد لحالة الإستقطاب الطائفي، وبالتالي دولة فاشلة تفتح فيها الإحتمالات على وسعها لتداعيات أكثر سلبية، وبيئة خصبة لنشاط المنظمات الإرهابية.

وبالحديث عن القضية الفلسطينية وإسرائيل، يصف جلالة الملك السلام مع إسرائيل كخيار إستراتيجي، أي وبعبارة أخرى يمكن القول أن للأردن قدرته على الإختيار لسنا مجبرين عليه ولكننا متمسكون به طالما أنه الخيار الذي لا يتعارض مع المصالح العليا لبلادنا وبما يضمن تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، فيما يراه جلالته الحل الأوحد والضامن لنزع فتيل الإضطراب المستمر في الشرق الأوسط برمته، وأما عن توعده بضم غور الأردن لإسرائيل وتغيير بلاده لسياسة الإستيطان بما يخالف القانون الدولي، فإن جلالته أكد مرارا خلال المقابلة أن الأردن يتعامل مع بنيامين نتنايهو كمرشح للإنتخابات وليس رئيسا للوزراء في إسرائيل، إذ تأتي هذه التوجهات الشرسة في خضِّم الدعاية الإنتخابية، وسط ترقّب جلالته نتائج الإنتخابات الإسرائيلية، وهنا يبعث جلالته برسالة مبطَّنة إلى إسرائيل، مفادها أن العلاقات ستكون أسوأ حالا مما هي عليه الآن، في حال تسنى لنتنياهو تشكيل الحكومة الإسرائيلية، فحينها سيكون الأردن أكثر جدية في التعاطي مع مثل هذه التصريحات إذا جرت على لسان رئيس وزراء إسرائيل، بدلا من كونها الآن تستخدم في دعاية لمرشح من حزب الليكود فقط.

في الختام وكأن جلالته يريد أن يقول: علينا أن نسلم بالوائقع كما هي، وأن الرهان فقط على الحلول السياسية الجذرية في المنطقة، إذ يجب أن يتكافل المجتمع الدولي في دعم الإستقرار فيها لأن محصلة التداعيات ستطاله أيضا، نحن أمام عقد جديد ينتظرنا جميعا لخوض تحدياته بعقلانية، وعلى العالم بأسره تحمُّل مسؤوليته التاريخية تجاه إقليمنا.

مدار الساعة ـ