ااسهم الصراع الذي تشهده ليبيا ما بين الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر ، وبين القوات العسكرية التي يقودها فائز سراج رئيس حكومة الوفاق الوطني ، الى وجود حالة اشتباك واستقطاب لقوى اقليمية ودولية في هذا الصراع بدوافع وذرائع متعددة ، تمثلت ابرزها باطماعها بالثروات الطبيعية الضخمة من نفط وغاز وغيرهما من مصادر الطاقة التي ينعم بها هذا البلد العربي ، الذي قادته الصراعات الداخلية الى ان يصبح هدفا لقوى خارجية ، عمدت الى توظيف تدخلها لنصرة طرف داخلي على حساب الطرف الاخر في استباحة الساحة الليبية وثرواتها. حيث ناصر اغلبها حفتر اعتقادا منها بانه يحارب الارهاب ويستطيع الحد من موجات الهجرة غير الشرعية وتمدد الجماعات الارهابية المسلحة اليها ، وبانه الاقرب الى حسم النزاع . لدرجة ان هذه القوى ساهمت بافشال المساعي الاممية لحل هذا النزاع سياسيا ، كافشالها جلسة مجلس الامن الرامية لوقف اطلاق النار في ليبيا ، وتأخيرها انعقاد مؤتمر برلين الهادف الى اطلاق عملية سلمية ووقف التدخلات الخارجية وتطبيق الحظر الاممي على الاسلحة الى ليبيا في محاولة منها لتمكين احد الطرفين من فرض وقائع جديدة على الارض وتغيير قواعد اللعبة لتعزيز اوراقها المصلحية والتفاوضية.
الى ان دخلت تركيا على الخط ( وبدرجة اقل روسيا ) وعقدت مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الوطني ، الاولى تتعلق بترسيم الحدود البحرية ، بما يتيح لها التنقيب عن الغاز والنفط قبالة السواحل الليبية والقبرصية لمواجهة مشكلتها في هذا المجال ، كونها تستورد ٧٥% من احتياجاتها من الطاقة وبكلفة مالية تتجاوز ٤٠ مليار دولار سنويا . والثانية تتعلق بالتعاون الامني والعسكري ، والتي ابدت من خلالها استعدادها لارسال قوات عسكرية واسلحة مختلفة ومساعدات لوجستية واستخباراتية وتدريبية لحكومة الوفاق ، الامر الذي من شأنه تصعيد المواجهة وتغيير موازين القوى في ليبيا . بطريقة دفعت الاطراف الاخرى الى التعبير عن قلقها وغضبها من هذا التدخل الخطير ، والتفكير جديا بضرورة اطلاق مبادرات سلمية لايجاد مخرجا سياسيا للصراع الليبي الداخلي.
الامر الذي مثل انعطافة في مواقف الاطراف الدولية والاقليمية التي اخذت تدفع بهذا الاتجاه السياسي ، خاصة الولايات المتحدة التي عبرت عن انزعاجها وقلقها من تدخل روسيا وتركيا ، وحاولت دعم حلفائها وتشكيل تحالف اقليمي يشمل مصر واليونان والكيان الاسرائيلي لمواجهتهما شرق المتوسط بعد التغيير الذي حدث في سياستها في المنطقة ، والذي اتسم بالانكماش والتراجع بشكل احدث فراغا ، حاولت روسيا ( وتركيا وان بدرجة اقل ) تعبئته لتوسيع نفوذها ولتستعيد مكانتها الدولية التي افتقدتها بانهيار الاتحاد السوفياتي . اضافة الى مواجهتها لاي محاولات تستهدف تزويد اوروبا بامدادات الغاز بدلا منها . وكذلك الحال بالنسبة لدول اوروبا التي اتسم موقفها من الملف الليبي بالتردد والغموض ، باستثناء الصراع ما بين فرنسا وايطاليا على النفوذ والمصالح في الساحة الليبية ، وتحديدا على حقول النفط والغاز ، ممثلا في الصراع بين شركتي توتال الفرنسية وإيني الايطالية . حيث طالبت بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا بعقد مؤتمر برلين للحد من اي تداعيات قد تترتب على تثوير الاجواء بصورة قد تنعكس سلبيا على مصالحها في المنطقة وعلى امنها القومي من خلال موجات الهجرة وتمدد الجماعات الارهابية باتجاهها . والحال ينطبق ايضا على الاطراف الاقليمية مثل مصر واليونان وقبرص اليونانية والكيان الاسرائيلي التي وقعت فيما بينها اتفاقيات حول المناطق والحدود البحرية وانتاج حقول الغاز ، حيث اخذت تميل اكثر الى دعم الجهود السلمية في ظل هذه التطورات السياسية والعسكرية التي شهدتها ليبيا ، تماهيا مع التوجه الاميركي والاوروبي.