مدار الساعة - للسنة الثالثة على التوالي يقوم مركز شرفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب ،عمان-الأردن بإصدار ونشر تقريره حول مؤشر واتجاهات إرهاب العالمي الذي يتناول بالتحليل المكثف والمختصر أهم مؤشرات واتجاهات الإرهاب في العالم.
يهدف التقرير الى التوعية المجتمعية ، ونشر ثقافة مقاومة الإرهاب بكافة أشكاله، وتزويد صانع القرار والخبراء ومراكز البحث والدراسات ومؤسسات المجتمع المحلية والعالمية بالدراسة والتحليل الموضوعي والدقيق لظاهرة الإرهاب العالمي واتجاهاته المستقبلية بما يساعد ويساهم في دراسة ومقاومة هذه الظاهرة وحماية السلم العالمي.
يعالج التقرير “بمنهجٍ كلانّي” ظاهرة الإرهاب العالمي بكافة أشكاله وأنواعه، الذي تمارسه كافة الجماعات، والمنظمات والأفراد لتحقيق أهداف سياسية مهما كانت ايديولوجيتها أو أهدافها أو دوافعها وفق التعريف الإجرائي الذي يعتمده المركز للإرهاب العالمي ؛ وهو( العنف أو التهديد به الذي تمارسه “الأطراف الفاعلة من غير الدول” ويستهدف المدنيين، وموظفي الدولة والممتلكات لتحقيق أهداف سياسية ). ومنعاً للالتباس فأن تقرير المركز لا يتحدث عن “إرهاب الدولة” بل يقتصر على إرهاب الجماعات والمنظمات والأفراد ضمن فئة الذئاب المنفردة في العالم.
وهو يعتمد في الأرقام والإحصائيات فقط ، على “مؤشر الإرهاب العالمي” الذي يصدره سنوياً “معهد الاقتصاد والسلام” ((Institute for Economics & Peace (IEP (المؤشر المنشور لعام 2019 يقيس الإرهاب للعام المنتهي 2018م وهكذا في كل سنة ).
الملخص التنفيذي
– انخفاض العدد الإجمالي للعمليات الإرهابية وضحايا الإرهاب للعام الرابع على التولي.
– هزيمة وانهيار أسطورة تنظيم داعش ومقتل زعيمه وعدد كبير من قيادات التنظيم.
– عولمة الرقعة الجغرافية للإرهاب حيث زاد عدد الدول التي تعرضت للإرهاب .
– استمرار الدول العربية والإسلامية بتصدر المراتب العشر الأولى على مؤشر الإرهاب العالمي.
– ليبيا والصومال وأفغانستان تتصدر أكثر دول العالم خطورة كوجهات للسفر .
– ارتفاع نسبة إرهاب اليمين القومي المتطرف في أوروبا وأمريكا بشكل كبير .
– تزايد مشاركة النساء في العمليات الإرهابية والعمليات الانتحارية.
– تزايد خطورة مشكلة عودة “المقاتلين الإرهابين الأجانب”. وتركيا تدخل كلاعب رئيس في تطورات الملف.
– انخفاض الخسائر الاقتصادية للاقتصاد العالمي الناتجة عن الإرهاب للعام الثاني على التوالي.
– توسع وتعوّلم الإرهاب الذي طال 103 دولة في العالم، يؤكد حاجة المجتمع الدولي لاستمرار التعاون ومشاركة المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب.
التوصيات
– ضرورة مشاركة كافة “الأطراف الفاعلة” في المجتمع من الدول، ومؤسسات المجتمع المدني في استراتيجيات مكافحة الإرهاب.
– أهمية الدمج بين المقاربات و الأساليب الأمنية والعسكرية (الخشنة) والمقاربات (الناعمة) في استراتيجيات مكافحة الإرهاب .
خارطة الإرهاب العالمي عام 2019م
انخفض العدد الكلي لقتلى العمليات الإرهابية 2019م بنسبة 52% مقارنة مع ذروته عام 2014م وذلك للسنة الرابعة على التوالي حيث بلغ العدد الإجمالي لعدد العمليات الإرهابية 15952 ضحية. ويعود سبب الانخفاض بشكل رئيس لانخفاض العدد الكلي لقتلى الإرهاب في العراق ثم الصومال.
وشهدت خارطة الإرهاب العالمي عام 2019م الكثير من المؤشرات والاتجاهات الإيجابية بعد سنوات الجمر والرماد التي واكبت انطلاقة موجة إرهاب تنظيم داعش الذي وصل ذروته عام 2014م حينما أعلن خلافته المزعومة واستولى على أراض في سوريا والعراق أكبر من مساحة بريطانيا .
فقد شهد عام 2019م أهم حدثين في مسيرة الإرهاب العالمي الاسلاموي على صعيد تنظيم داعش ،الأول هزيمة تنظيم داعش في معاقله الرئيسة في سوريا وتشتته وذوبانه في العراق، والثاني مقتل زعيم التنظيم وعدد من القياديين المهمين في التنظيم.
وقد تجلى هذا في انخفاض عدد قتلى العمليات الإرهابية التي تنسب الى داعش بنسبة 69% وانخفض عدد عمليات التنظيم بنسبة 63% عام 2019م . وانخفض العدد الكلي لأعضاء التنظيم في سوريا والعراق من 70000 مقاتل الى 18000 مقاتل عام 2019م
في المقابل ؛ مع أن ظاهرة الإرهاب العالمي شهدت بعض الانحسار ،فقد شهدت خارطة الإرهاب بعض الاتجاهات السلبية؛ وعلى رأسها أنه رغم انخفاض عدد القتلى نتيجة العمليات الإرهابية إلا أن نطاق العمليات الإرهابية توسع وتعوّلم أكثر حيث طال الإرهاب (عملية إرهابية واحدة على الأقل ) ما مجموعة 103 دولة في العالم. وهو ما يعني حاجة المجتمع الدولي لاستمرار التعاون في مكافحة الإرهاب.
أحد أهم الاتجاهات السلبية والخطيرة للإرهاب هذا العام 2019م ،(أشرت اليه في تقرير السنة الماضية 2018م ) وفي العقد القادم ؛ هو زيادة خطورة “الإرهاب الأبيض” أي إرهاب “جماعات اليمين المتطرف” وما يسمى اليمين البديل في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا والجزر ،ودليل ذلك ارتفاع نسبة عمليات “اليمين المتطرف” بنسبة هائلة بلغت 320% خلال السنوات الخمس الماضية ، وقد بلغ عدد قتلى العمليات الإرهابية التي تنسب لليمين المتطرف 77 قتيل حتى أيلول 2019م .
مع الإشارة الى أن هذا النوع من الإرهاب كان أكثر خلال العشر سنوات الماضية ، حيث سجل 322 عملية إرهابية تنسب الى جماعات اليمين المتطرف ، مقارنة بما مجموعة 1,677 عملية خلال العشر سنوات بين عام 1980-1970. كما أن 60% من عمليات اليمين المتطرف خلال الفترة ما بين 1970-2018م نفذها أفراد ليس لهم ارتباطات تنظيمية محددة مع جماعات اليمين المتطرف، أي ذئاب منفردة، مقارنة ما نسبته 10% فقط نفذها أفراد ينتمون تنظيمياً لجماعات اليمين المتطرف.
ويلاحظ بأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية والأجهزة الاستخبارية فيها بدأت ومنذ بداية عام 2019م تحديدا التحذير من خطورة هذا النوع من الإرهاب والاهتمام به على كافة الصعد خاصة البحث والدراسة الأكاديمية، خاصة بعد العملية الإرهابية التي جرت في المساجد في نيوزيلندا الجمعة 15-اذار- مارس 2019. حيث أُطلقت النيران من قبل ( برينتون تارانت) متطرف ، من اليمن البديل ، داخل مسجدي النور ومركز لينود الإسلامي في مدينة كرايستشرش ونتج عنهُما العديد من الإصابات و 50 من الوفيات.
ومن الاتجاهات السلبية الجديدة هذا العام هو تزايد مشاركة النساء في العمليات الإرهابية والعمليات الانتحارية. وتشير البيانات انه خلال الفترة ما بين 1985- 2018م كان هناك 300 عملية إرهابية شاركت فيها النساء (أمرأه واحدة على الأقل ) تسببت بمقتل 3000 شخص في العالم .
وزاد هذا الاتجاه خلال السنوات الخمس الماضية 2013-2018م بنسبة كبيرة جدا بلغت 450% ؛ ويلاحظ بأن 80% من هذه العمليات نفذتها النساء في تنظيم بوكو حرام في نيجيريا والدول المجاورة لها . على العكس فقد انخفضت مساهمة الرجال في العمليات الانتحارية بنسبة 47% خلال نفس الفترة .
التوزيع الجغرافي للإرهاب العالمي
شهدت أوروبا ، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المعروفة بـــMENA)) اتجاهات إيجابية ؛ حيث انخفضت العمليات الإرهابية في أوروبا بنسبة 70% ، كما انخفض عدد القتلى للسنة الثانية على التوالي من 200 قتيل عام 2017م ، الى 62 عام 2018م .
وانعكست هزيمة تنظيم داعش ايجابيا على أوروبا ؛ حيث لم تشهد أية عملية لتنظيم داعش عام 2018م . وفي منطقة دول (MENA) انخفض عدد العمليات الإرهابية بنسبة 65%؛ باستثناء ثلاثة دول في المنطقة عانت من اتجاهات سلبية بزيادة عدد قتلى العمليات الإرهابية فيها وهي الترتيب: إيران، المغرب، والأردن.
لأول مرة منذ عام 2003، لم يعد العراق يتصدر قائمة الدول المتأثرة بالإرهاب، حيث انخفض عدد الوفيات بسبب الإرهاب في العراق، بنسبة 75 % بين عامي 2017 و2018.
إلا أن تحسن الوضع الأمني في العراق نسبيا، لم يساعده في الخروج من قائمة أكثر عشرة دول كانت عرضة لخطر الإرهاب في عام 2018، والتي ضمت ثلاث دول عربية أخرى، هي: سوريا والصومال واليمن.
وفيما يلي عرض مختصر لأكثر عشر دول عانت من الإرهاب العالمي في عام 2018، حيث نلاحظ أن من بينها 8 دول عربية وإسلامية (أربع دول عربية، وأربع إسلامية)وهذه الدول هي:
1- أفغانستان : تدهور الوضع في أفغانستان خلال عام 2018، حيث تم تسجيل نحو 1443 عملا إرهابيا، أدت إلى مقتل نحو 7379 شخصا، وأصيب 6514 غيرهم، ما جعلها أسوأ البلاد على مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2019م . وقد شهدت أفغانستان العام الماضي 16 عملية إرهابية تعد الأسوأ من بين أبرز عشرين عملية وقعت حول العالم. وقد نفذت طالبان وتنظيم خرسان المتفرع من تنظيم داعش، القاسم الأكبر من هذه العمليات.
وتعتبر أفغانستان من أكثر الدول خطورة كوجهة للسفر حسب مؤشر “مخاطر السفر” في العالم 2019م .
2- العراق : كما أسلفنا فقد شهد العراق تراجعا في نسبة العمليات الإرهابية، حيث حل في المركز الثاني في عام 2018، بعد أن كان في المركز الأول على القائمة في عام 2017. وقد وصلت نسبة الوفيات بسبب العمليات الإرهابية إلى 1504 شخصا، فيما وصلت الإصابات إلى 1723 ضمن 1131 عملية إرهابية نفذت عام 2018، وقد نفذ تنظيم داعش القسم الأكبر من هذه العمليات.
3- نيجيريا :بلغت نسبة قتلى العمليات الإرهابية في نيجيريا نحو 13 % من إجمالي العمليات حول العالم، حيث ارتفعت نسبة الوفيات بمقدار 33 % في عام 2018 مقارنة مع عام 2017. وقد وصل عدد القتلى بسبب العمليات الإرهابية في عام 2018 إلى 2040 شخصا، حيث أصيب نحو 772، ضمن 562 عملية إرهابية.
وقد تسببت جماعة “بوكو حرام” في سقوط النسبة الأكبر من تلك الوفيات، بجانب المجموعات المسلحة التي يغلب عليها عرقية “الفولاني”.والتي تستهدف المسيحين عادة.
4- سوريا : رغم هزيمة تنظيم داعش في سوريا ، إلا أنه كان المتسبب الأكبر في العمليات الإرهابية بسوريا خلال عام 2018. وقد وصلت العمليات الإرهابية بشكل عام في سوريا خلال العام الماضي إلى 131 عملية، أدت إلى مقتل نحو 662 شخصا، وإصابة نحو 725 آخرين.
5- باكستان : قتل في باكستان نحو 537 شخصا خلال عام 2018، فيما أصيب نحو ألف و16 شخصا في 366 عملية إرهابية، وقد نفذ القسم الأكبر من العمليات تنظيم ولاية خراسان المتفرع من تنظيم داعش الإرهابي، يليها حركة طالبان بباكستان.
6- الصومال : أن معظم الهجمات الإرهابية في الصومال خلال عام 2018 نفذها تنظيم الشباب بنسبة وصلت إلى 91 بالمئة من إجمالي الهجمات الإرهابية، بالإضافة إلى هجمات أخرى نفذتها جماعة جبهة شرق أفريقيا. وقد قتل في الصومال خلال عام 2018، نحو 646 شخصا، وأصيب نحو 638 شخصا ضمن 286 عملية إرهابية.
ويعتبر الصومال ثاني أخطر الدول في العالم كوجهة للسفر حسب مؤشرات (Travel Risk Map)”خارطة مخاطر السفر “لعام 2019م الذي يقيس ثلاثة مؤشرات فرعية هي : أمن الطرقات والسفر داخل الدولة ، الأمن بشكل عام ومنه الإرهاب ، وتوفر الرعاية الصحية والطبية.
7- الهند : قد شهدت الهند نحو 748 عملية إرهابية ، سقط فيها ما لا يقل عن 350 قتيلا، و540 جريحا في عام 2018. وتشهد الهند تنوعا في مصادر الإرهاب مقارنة بأي دولة أخرى في القائمة، حيث شنت هجمات إرهابية من قبل جماعات دينية متطرفة وشيوعية وانفصالية، مثل الحزب الشيوعي الهندي وحزب “المجاهدين” وجيش الإسلام والانفصاليين السيخ.
8– اليمن : يلاحظ بأن معظم القتلى في اليمن سبب العمليات الإرهابية التي تنفذها ميليشيا الحوثي، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة نظرا لآن تنظيم داعش لا يزال ضعيفاً مقارنة مع تنظيم القاعدة في اليمن . حيث قتل نحو 301 شخص، وأصيب نحو 325 ضمن 227 حادث إرهابي في عام 2018، وبهذا ينخفض معدل الوفيات بالمقارنة مع عام 2015، الذي سجل نحو 1500 حالة وفاة على صلة بحوادث إرهابية.
9-الفلبين : تسببت حركة “جيش الشعب الجديد” التابعة للحزب الشيوعي الفلبيني ، في معظم العمليات الإرهابية، وفي سقوط 36 %من ضحايا الإرهاب، حيث قتل نحو 297 شخصا خلال هجمات الحركة ضمن 424 حادثا. تجدر الإشارة إلى أن الصراع بين الحكومة الفلبينية وعناصر حركة «جيش الشعب الجديد» الجناح المسلح للحزب الشيوعي الفلبيني بدأ في عام 1969 مسفرًا عن مقتل نحو 40 ألف من المقاتلين والمدنيين، كما أدى هذا التمرد الشيوعي إلى تقويض جهود التنمية الاقتصادية في البلاد لسنوات، وكان له أيضا تأثير سلبي على المناطق الريفية الفقيرة بالفلبين. كما ساهمت بعض الحركات الدينية المتطرفة مثل “حركة بانغسامورو للحرية الإسلامية”، بالإضافة إلى فرع تنظيم داعش هناك، في سقوط نحو 12 شخصا.
10- الكونغو الديمقراطية : شهدت دولة الكونغو الديمقراطية في عام 2018، نحو 135 عملية إرهابية أدت إلى مقتل نحو 410 أشخاص، وإصابة 145. وذلك بسبب الهجمات التي شنتها جماعات كل من “القوات الديمقراطية المتحالفة”، والجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا، وميليشيات “مايي مايي”.
وكانت أقل دول عرضة للإرهاب هي: كوريا الشمالية ، بيلاروسيا وغينيا بيساو وعمان وغامبيا.
إن الصرعات والأزمات بأشكالها المختلفة هي المحرك الرئيس للإرهاب العالمي. حيث تبين بأن 95% من قتلى العمليات الإرهابية كانوا مواطنين من دول تعاني من الصرعات السياسية والمسلحة ،و99% من العمليات الإرهابية وقعت في الدول التي تعاني من الصرعات.
ونلاحظ من البيانات بان هناك علاقة إيجابية بين الإرهاب والصراعات المسلحة ، فكلما تزايد تواجدا الصرعات المسلحة كلما تزايد تواجد الإرهاب وطال أمده كما نلاحظه في الشرق الأوسط مثلاً.
مشكلة المقاتلين الإرهابيين الأجانب
أصبحت مشكلة عودة “المقاتلين الإرهابين الأجانب” من أهم واخطر اتجاهات الإرهاب العالمي عام 2019م وهي مرشحة للاستمرار خلال السنوات القادمة . ورغم أن الظاهرة ليست حديثة إلا أنها أصبحت مشكلة عالمية خاصة بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا.
ويلاحظ بأن كافة الدول الأوروبية المعنية بالأمر خائفة من عودة هؤلاء الى أراضيها ، لذلك تماطل في إيجاد حلول للمعضلة وتحاول بشتى الطرق نقلها للخارج؛ كمقاربة إقامة محاكم شبهة دولية في العراق. وبعد الغزو التركي لشمال شرق سوريا دخلت تركيا على الملف وبدأت باستخدامه لمصالحها السياسية الأمر الذي عقد من المعضلة أكثر ، ومن المرجح أن تستمر أكثر خلال السنوات القادمة .
لقد ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية( 2 – حزيران -يونيو 2016) أن مجتمع الاستخبارات التابع لها يقدر أن “ما يزيد على 40،000 مقاتل أجنبي قد ذهبوا إلى النزاع في سوريا ومن أكثر من 100 بلد” في حين قدرت وزارة الدفاع الروسية أن هناك حوالي 25،000–30،000 من المرتزقة الإرهابيين الأجانب يقاتلون من أجل داعش” وحدها.
وتثير هذه الظاهرة المخاوف في البلدان الأصلية للمقاتلين الأجانب. وهذه الظاهرة ليست جديدة، ولكن حجم والأصول الواسعة النطاق في هذه الحالة غير عادية. خاصة بعد هزيمة تنظيم داعش في سوريا ومقتل زعيم التنظيم ودخول تركيا على خط المشكلة واستخدامها كورقة مساومة وابتزاز سياسي للدول الأوروبية المعارضة لسياسات أردوغان .
وقد كان من شأن اتخاذ القرار 2178 (2014) في الاجتماع الرفيع المستوى لمجلس الأمن، الذي تولى رئاسته الرئيس الأمريكي باراك أوباما في أيلول/سبتمبر 2014، أن جعل مسألة المقاتلين الإرهابيين الأجانب في صدارة جدول الأعمال الدولي.
وفي حين يؤكد هذا القرار التاريخي أن ما من بلد يستطيع التصدي بمفرده لظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، فإنه يحدد عدداً من الالتزامات على الدول الأعضاء.
وتهدف الخطة التنفيذية لفرقة العمل المعنية بالتنفيذ التابعة للأمم المتحدة لبناء القدرات من أجل التصدي لتدفق “المقاتلين الإرهابيين الأجانب”، إلى دعم الدول الأعضاء في الوفاء بالتزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن 2178 (2014)، بالتصدي للدورة الحياتية الكاملة للمقاتلين الإرهابيين الأجانب، بدءاً بتطرفهم، وسفرهم، وتدريبهم، وتشغيلهم، وتمويلهم، ثم عودتهم واحتمالات استئنافهم العنف في بلدانهم الأصلية.
وبهذا القرار، أكد المجتمع الدولي الحاجة الملحَّة إلى اتخاذ تدابير على نحو كامل وفوري فيما يتعلق بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب ولا سيما أولئك المرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النُصرة وغيرهما، فضلاً عن الجماعات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة. وسلّم بوجوب التصدي أيضاً للعوامل الأساسية بطريقة شاملة، بطرق منها منع التطرف، ووقف تجنيد المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وإعاقة سفرهم، وقطع ما يقدم لهم من دعم مالي.
وقد اتُّخذ القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني أنه ملزم قانونا لجميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة. وهو يدعو إلى العمل مع المجتمعات المحلية والجهات الفاعلة غير الحكومية لوضع استراتيجيات لمكافحة التطرف العنيف. وينبغي تمكين الشباب والأُسر والنساء والقيادات الدينية والثقافية والتعليمية والمجتمع المدني من معالجة الظروف التي تفضي إلى انتشار التطرف العنيف.
و تهدف مبادرة المكتب المعني بالمخدرات والجريمة العالمية لمكافحة المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى تعزيز تنفيذ تدابير العدالة الجنائية بشأن المقاتلين الإرهابيين الأجانب تدمج بشكل كامل سيادة القانون ونهج احترام حقوق الإنسان. ويقوم المكتب حاليا بتقديم مبادرة رئيسية لتعزيز الأطر القانونية وقدرات العدالة الجنائية وقدرات مسؤولي إنفاذ القانون على الصعيد الوطني للتصدي للتهديد الذي يشكله المقاتلون الإرهابيون الأجانب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرق أوروبا.
لكن رغم تأكيدات الأمم المتحدة أعلاه نلاحظ أن العديد من الدول الأوروبية رفضت بشدة عودة مقاتلي داعش وزوجاتهم وأراملهم، الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد. وحذرت تلك الدول من إعادة مواطنيها، الذين ذهبوا للقتال من أجل “خلافة” داعش في سوريا والعراق، خوفًا من ردود الفعل السياسية وصعوبة جمع الأدلة لإدانتهم وخطر الهجمات المتطرفة في الداخل.
وبالإضافة إلى المعتقلين في تركيا، تحتجز القوات الكردية السورية حوالي 11000 مقاتل من داعش في السجون في شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من النساء والأطفال من أفراد أسرهم. حوالي خمس مقاتلي داعش، الذين تعتقلهم القوات الكردية في شمال شرق سوريا يُعتقد أنهم أوروبيون. ووفقًا لوزارة الداخلية الألمانية، تم سجن أكثر من 80 عضوًا من داعش في سوريا والعراق.
ولقد تعقد ملف المقاتلين الأجانب بعد دخول تركيا كلاعب رئيس في تفاصيل الملف .
فعقب الغزو التركي لشمال شرق سوريا ، أكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو (4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019) بأن بلاده ستعيد أسرى تنظيم (داعش) إلى دولهم حتى إذا ألغيت جنسياتهم، منتقدا بشدة نهج الدول الأوروبية بشأن المشكلة
وكان وزير الداخلية التركي قد إدعى إن بلاده “ليست فندقًا لعناصر داعش من مواطني الدول الأخرى”. وأضاف أن تركيا نقلت عناصر “داعش” الأجانب الذين جرى ضبطهم في رأس العين وتل أبيض، خلال عملية “نبع السلام”، إلى سجون محصنة بمنطقة عملية “درع الفرات”، شمالي سوريا. وتابع أنه بعد احتجاز هؤلاء لفترة في تلك السجون، سيتم إرسالهم إلى البلدان التي ينتمون إليها.
وإجمالاً ، تريد تركيا إرسال ما يصل إلى 1300 “جهادي” أجنبي إلى بلدانهم الأصلية – كثير منهم إلى أوروبا خاصة المانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا ، وفنلندا وغيرها . ولقد قامت تركيا حتى الآن بإعادة 11 فرنسياً في نوفمبر 2019م بدون التسبيق مع فرنسا، ودعت ألمانيا لاستعادة مقاتليها حيث يُعتقد أن 100 من أعضاء “داعش” المعتقلين مواطنون ألمان.
وتشير البيانات من مصادر إعلامية المانية الى أن “1050 ألمانياً سافروا إلى سوريا منذ 2013، انضم أغلبهم لداعش، وقتل ثلثهم في المعارك التي دارت في الأراضي السورية، وعاد الثلث بالفعل لألمانيا، فيما تعتبر السلطات الألمانية عناصر الثلث الأخير إما محتجزين في سوريا والعراق وتركيا وإما مفقودين”. وتعتقل تركيا حاليا 14 بالغا ألمانياً على الأقل لانتمائهم لـ” داعش” في سوريا، بواقع 8 نساء و6 رجال، بالإضافة إلى 15 طفلا. ومن المنتظر أن تقوم أنقرة بترحيلهم على دفعات خلال الفترة المقبلة، حسب “صحيفة بيلد الألمانية.
توقعات لعام 2020م
رغم هزيمة تنظيم داعش عسكرياً في العراق وسوريا ،وإحباط الكثير من العمليات الإرهابية للتنظيم خلال عام 2019 خاصة في أمريكا وبريطانيا والنمسا والمغرب والأردن. إلا أن التنظيم لم يهزم تنظيمياً وإيديولوجيا، بل لا زال قادرا على شن الهجمات، والتهديد بالمزيد منها في كل دول العالم.
ولذلك من المتوقع أن يشن تنظيم داعش سلسلة من الهجمات الإرهابية الخاطفة والسريعة خاصة من خلال “الذئاب المنفردة” في العالم ، خاصة في أوروبا ، والعالم العربي والدول الإسلامية ، وفي مناطق لم تكن عرضة للإرهاب من قبل. وذلك بهدف إثبات الوجود وتدشين بداية جديدة مع بداية عام 2020م للتنظيم مع زعيمة الجديد. فرغم هزيمة تنظيم داعش عسكريا وتشتت التنظيم ، ومقتل زعيمه نهاية عام 2019م
حيث أكد التنظيم (31 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) في تسجيل صوتي نشرته حسابات للتنظيم الإرهابي على تطبيق “تلغرام” مقتل زعميه أبي بكر البغدادي في أعقاب غارة أمريكية لوحدة من القوات الخاصة الأمريكية في ليل السبت/الأحد 27 أكتوبر تشرين أول 2019م ، وأعلن “داعش” تعيين خلف للبغدادي قال التسجيل الصوتي إنه يدعى أبا إبراهيم الهاشمي القرشي ، والحملة الدولية ضد دعاية التنظيم على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة حملة حذف وإلغاء حسابات التنظيم على موقع ” تلغرام” الذي يبلغ عدد مستخدميه في العالم 200 مليون مستخدم والتي بدأت في بداية شهر كانون الأول – ديسمبر 2019م ؛ إلا أنه تم رصد حملة واسعة للتنظيم على بعض المنصات الخاصة بالتنظيم مثل صفحة مجلة “النبأ” و”التقوى ” وكالة أعماق الخاصة بالتنظيم ومجموعة تطلق على نفسها “بنت الأمجاد” تدعو صراحة باللغات العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية الى شن هجمات إرهابية ” ضد الأعداء الصليبين ” في فترة أعياد الميلاد وراس السنة الميلادية في كافة الدول خاصة الأوروبية وأمريكا وتحديداً من خلال هجمات “الذئاب المنفردة”. من خلال نشر بوستر بعنوان صريح “كن ذئباً منفرداً”. وبالفعل فقد شهدت دول مثل الصومال ، نيجيريا ،بوركينافاسو ، العراق ، وأفغانستان سلسلة من الهجمات الإرهابية العنيفة مع نهاية 2019م بعضها نسب الى تنظيم داعش وبعضها الآخر ربما تسبب بها تنظيم القاعدة المنافس لداعش حالياً.
وفي أول إشارة على تنفيذ تهديدات التنظيم بالانتقام من مقتل زعيمه، نشرت “وكالة أعماق” الناطقة باسم تنظيم داعش فيديو (بتاريخ 26-كانون أول – ديسمبر -2019 ) يظهر قيام أعضاء من التنظيم بقطع رؤوس ( 11) رهينة مسيحي في نيجيريا بالتزامن مع احتفالات أعياد الميلاد انتقاما لمقتل زعيم التنظيم في سوريا.
هذا إضافة الى تهديد مؤسس موقع تلغرام بافل دروف(Pavel Durov) بالقتل والتصفية الجسدية، ونشر بوستر له على صفحة “بنت الأمجاد” بتاريخ 3-كانون الأول –ديسمبر -2019م لدوره في حذف حسابات أعضاء ومؤيدي التنظيم.
على الجهة المقابلة؛ من المتوقع أن يشن اليمين المتطرف و”اليمين البديل” في أوروبا وأمريكا سلسلة من الهجمات الإرهابية العنصرية سواء ضد المسلمين أو اليهود أو العرقيات الأخرى.
ومثال ذلك قيام شخص ليلة السبت (28-ديسمبر-كانون اول-2019م ) بعملية “إرهاب داخلي”، في نيويورك حيث قام بطعن 5 أشخاص في منزل حاخام يهودي كانوا يحتفلون بمناسبة دينية يهودية.
وعلى أثرها صرح حاكم نيويورك (أندرو كومو ) قائلاً : إن هذه العملية رقم ١٣ على الأقل التي تسجل في نيويورك خلال الأسابيع الماضية. محذرا من أنتشار الجهل والغضب وتفجر الكراهية في المجتمع كسرطان في الجسم السياسي الأمريكي.
كذلك يتوقع أن تحدث هجمات مماثلة في الدول الأوروبية نظراً للأجواء المشحونة سياسياً واقتصاديا واجتماعياً ، خاصة في النمسا ، وألمانيا ، وهولندا ، والدول الإسكندنافية مثل السويد والنرويج وفنلندا ، ضد الهجرة والمهاجرين من الشرق الأوسط ،وضد السياسيين الأوروبيين الليبراليين المعارضين للأحزاب القومية والشعبوية النشطة في أوروبا حالياً.