مدار الساعة - تتخفّف فاتن العلي واولادها الثلاثة من حمولة التعب اليومي، فتقود السيارة بهم ليلة الميلاد المجيد الى مدينة الفحيص، ليعيشوا طقوس الاحتفاء الشعبي بوقائع العيد وطقوسه في بلاد يشكل المسيحيون من عدد سكانها نحو 3 في المائة، جُلُّهم من اتباع الكنيسة الارثوذكسية والروم الكاثوليك.
وفي غمرة التجهيزات للعيد ينهمك الناس بمتابعة التفاصيل التي تضفي اجواء من البهجة على الوجوه؛ اذ تفرد بلديات الوجود المسيحي مساحات للاحتفال بنصب شجرة الميلاد التي اصبحت معلما سنويا في مادبا والكرك والفحيص وعديد المناطق في العاصمة وسواها، وهو ما يصفه الروائي جلال برجس بـ"فسحة لتعزيز قيم الانسانية والتضامن الوطني".
"ليلة الميلاد، مفهوم مكتظ بالدلالات العميقة التي جاء بها رسول المحبة، وهي ليلة نسعى فيها لأن نكون حقيقيين بفرحنا واحتفائنا بالعيد الذي نعيش ظلاله"، تقول فاتن العلي لوكالة الانباء الاردنية بعد ان التقطت رفقة صاحبتيها صور السلفي بمحاذاة شجرة الميلاد في منطقة البوليفارد بالعبدلي.
وترى العلي أن مهمة اشاعة الفرح أمام فرصة جديدة، للاستثمار في الثقافة الشعبية التي تستند الى تراث عربي عميق ومتصل من تأصيل قيم التنوع، في بلاد كانت سياستها على الدوام تنتهج الانفتاح والوسطية، اذ يشكل المسيحيون الاردنيون واحدا من اقدم المجتمعات الدينية في العالم حيث انتشروا في مطالع القرن الأول الميلادي.
ويتحد الموروث الاردني العابر للجغرافيا بسياسة رسمية شكلت مظلة وطنية جامعة، في تعضيد الواقع الاجتماعي الهاضم والمنتج لثقافة التنوع الذي اصبح مصدر اغناء وتعزيز للبنى الاجتماعية التي تستلهم تراثا زاخرا من القيم العربية، التي أصّلت بدورها معنى الوجود الانساني، وهو ما يؤكده متتبعون لتاريخ المشرق العربي.
ويرى هؤلاء أن التعميد بالدم هو ما وحّد الاردنيين واهل الشام والعرب عموما، في معارك الامة ضد العدوان والاحتلال الاجنبي، لافتين الى ان قوائم الشهداء الاردنيين والعرب تضم اسماء كثيرة من المسيحيين، اضافة الى سلسلة التنويريين الذين خاضوا سجالات فكرية وصراعات سياسية لصالح الامة عبر التاريخ. وتمثل أرض الأردن لمسيحيي المشرق العربي وسواهم، الجغرافيا الانسب لإحياء المراحل والحقب المختلفة في الكتاب المقدس من خلال الصلوات والتأمل. وخصوصا تلك المراحل التي تتحدث عن الأنبياء: إبراهيم ولوط واسحق ويعقوب وموسى. كما تقع على الأرض الأردنية كثير من الآماكن المقدسة التي تشمل مواقع الحج المسيحي وهي المغطس، وجبل نيبو، ومكاور، وكنيسة سيدة الجبل في عنجرة، وكنائس مار الياس، وأم الرصاص مما يجعل من الأردن مقصدًا للسياحة العالمية .
أما موقع معمودية يسوع المسيح (المغطس)، فيقع إلى الشرق من نهر الأردن في منطقة وادي الخرار التي سُميت قديمًا بـ"بيت عنيا". وهناك وقف يسوع، وهو ابن ثلاثين عامًا، بين يديّ النبي يحيى، لكي يتعمد بالماء، ويعلن من خلال هذا المكان بداية رسالته للبشرية. وقد كشفت الحفريات في المنطقة آثار كنيسة بيزنطية كانت قد بنيت في عهد الامبراطور أناستاسيوس. وقد قامت دائرة الآثار العامة ة بترميم الموقع للحجاج المسيحيين في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وتم الكشف عن مجموعة من الكنائس والأرضيات الفسيفسائية وبرك التعميد التي يعود بناؤها إلى بدايات الفترة البيزنطية وحتى العهدين الأيوبي والمملوكي. كما يوجد في المكان عدة آبار للماء وبرك يعتقد ان المسيحيين الأوائل استخدموها في طقوس جماعية للعماد. وقد زار البابا يوحنا بولس الثاني المكان عام 2000، وأعلنه مكانًا للحج المسيحي في العالم مع المواقع الأربعة الأخرى المنتشرة في الأردن، كما زاره بابوات آخرون هم بولس السادس عام 1964 وبندكتس السادس عشر عام 2009 وفرنسيس عام 2014. وشكّلت مواقع بيت عنيا (المغطس) قديمًا جزءًا من طريق رحلة الحج المسيحي ما بين القدس ونهر الأردن وجبل نيبو. وترتبط المنطقة أيضًا بقصة الكتاب المقدس حول كيفية صعود النبي إيليا (مار الياس) إلى السماء.
وتبعا للدكتور إحسان محاسنة فان المورثات المنتشرة في الوطن العربي تشكل 93% من مورثات الأردنيين، وأن مورثات المسيحيين الأردنيين قادمة من الفرع القحطاني سيّما عن طريق العرب الغساسنة. وبين الطوائف المسيحية المعترف بها الروم الأرثوذكس ويتبعون بطريركية القدس وشرق الأردن، وكنيسة اللاتين ومركزهم بطريركية القدس، وكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، وكنيسة الأرمن الأرثوذكس، والكنيسة المارونية، والأنجليكانية والكنائس الآشورية ويشكل أتباع هذه الكنائس غالبية سكان الأردن المسيحيين. هناك تواجد للكنيسة اللوثرية، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والسبتيين، والكنيسة الخمسينية، وكنيسة يسوع المسيح القديسي الأيام الأخيرة، والكنائس المشيخية وتشكل هذه الكنائس أقلية بين المواطنين المسيحيين. --(بترا)