قبل أيام احتفلت مؤسسة عبدالحميد شومان بتكريم شخصية وطنية محترمة، كان لها إسهاماتها في العمل الأكاديمي والتربوي والسياسي، وهو الدكتور محمد حمدان
بالنسبة لي، كان الأمر مفيداً جداً، فقد تصدى أكثر من عشرين مشاركاً للتعريف بهذه الشخصية الفذة التي مارست العمل العام على مدار أكثر من ستة عقود، ما أعطى فكرة واضحة عن جهودها، لكن الأهم أن مؤسسة شومان تعمد دائماً إلى تكريم المبدعين الأحياء، لكي يعرفوا أن هناك من يقدّر عملهم وجهودهم وأنهم سيبقون في الذاكرة دائماً
من الجيد أن ندخل من هذا الباب لكي نتحدث عن مؤسسة عريقة مثل شومان، والتي أصبحت تشكل حالة جريئة للفعل الثقافي الهادف، ليس على الصعيد الوطني فحسب، بل وعلى الصعيد العربي الذي باتت معروفة فيه تماماً
من خلال برامجها وفعالياتها العديدة والمنوعة، تحاول المؤسسة إعادة تشكيل المشهد الثقافي بأكمله، وصوغه بواسطة رؤية وطنية هادفة تعتبر الثقافة أولوية في حياة المجتمعات
هذا الفهم جعلها تنتقل من مركزها في جبل عمان بالعاصمة، وتذهب إلى المحافظات العديدة، من أجل ألا تبقى الثقافة والفنون حكراً على المركز، لذلك رأينا فعاليات أيام مؤسسة عبدالحميد شومان في العقبة وإربد والكرك والبلقاء، وكيف أن فريقها الخلاق أبدع في صنع كرنفالات فرح في تلك المحافظات استقطب من خلالها عشرات الآلاف من الجمهور المنوّع الذي تشكل من جميع الفئات الاجتماعية والفكرية والعمرية
في أكثر من مناسبة، تصر الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الحميد شومان فالنتينا قسيسية، على أن نجاح عمل المؤسسة يقاس بمدى حضورها في المحافظات، مشددة على تسمية هذا النوع من الحضور بـ العدالة الثقافية ، وأن الثقافة حق للجميع أينما وجدوا
ومع ذلك لا يمكن لنا أن ننسى أن المؤسسة تعمل، من خلال دوائرها وأقسامها، على أكثر من صعيد، صحيح أن أكثر ما يعرفه الناس عنها أنها عبارة عن مكتبة ومنتدى ثقافي يشكل منبراً عاماً، لكن المؤسسة أيضاً تدير برنامجاً للمنح تستثمر فيه الملايين بمشاريع ثقافية وفنية وتنموية، تستفيد منها المجتمعات، وتسهم من خلاله في التمكين الثقافي الفكري، وبالارتقاء بالذائقة العامة للمجتمع
وهناك جائزة عبدالحميد شومان للباحثين العرب التي تعتبر واحدة من أهم الجوائز العلمية في العالم العربي، والتي حفزت كثيراً من العلماء لكي يستزيدوا من العلم والبحث لخدمة الأقطار العربية. أما جائزة الابتكار فهي تحفز علماءنا لكي يفكروا جدياً بالتحديات المجتمعية، ومحاولة ابتكار حلول مناسبة لتخطيها
ولا يمكن لنا أن ننسى الجوائز الأدبية أو الخاصة بالأطفال وطلبة المدارس، وأهميتها في إثراء المحتوى العربي، والكشف عن المواهب وتنميتها وتحفيزها
أما المكتبة العامة، فأظن أن مئات الآلاف من الأردنيين مدينون لها بالكثير، ففيها وجدوا المراجع المناسبة، وإليها التجؤوا للدراسة والبحث. علاوة على مكتبة الأطفال درب المعرفة التي شكّلت ملجأ للأطفال واليافعين لكي يمارسوا فيها القراءة والتعبير عن الذات. أما مكتبة شرق عمان، فهي الابن الشرعي لهذه المؤسسة، والوليد الجديد الذي تستثمر فيه للمستقبل بمنطقة تحتاج كل جهد من أجل دعم مجتمعها المحلي
قد أكون نسيت نشاطات أو فعاليات أخرى تقوم بها هذه المؤسسة العريقة، فالكتابة عن شومان ليس بالأمر الهيّن، فهي تعمل بفريق صغير، ولكن بحجم عمل كما لو أنها وزارة ثقافة متكاملة
الحديث عن شومان هنا، لا ينطوي تحت بند المدح والتغزل، رغم أنها تستحق، لكن من أجل الإشارة إلى أن من يرغب بالعمل الجدي الدؤوب للاستثمار بالإنسان لمستقبل أفضل لن تعجزه التحديات والصعوبات، ولن يبعده عن طريق الإنجاز والسير نحو الأمام بخطوات ثابتة وواضحة، سوى وباء ضعف الإرادة والعزيمة، وفي بعض الأحيان غياب الإخلاص.(الغد)