مدار الساعة - يحتفل العالم بيوم الترجمة العالمي كل عام في يوم 30 سبتمبر، وكان الاتحاد الدولي للمترجمين قد بدأ الاحتفال بيوم الترجمة العالمي أول مرة في 30 سبتمبر عام 1991م.
وكان الغرض من الاحتفال بهذا اليوم تذكير العالم بمكانة الترجمة وأهميتها في حياتهم، وما قامت به من تقريب بين الشعوب، وكذلك ما تقوم به من خدمات في عصر العولمة للأفراد والمؤسسات والمجتمعات.
الأول: ترجمة الأعلام، ويقصد بها التعريف بالشخصيات ذات الأهمية والتي أسهمت في أحد مجالات العلم.
الثاني: الترجمة اللغوية، وهي ترجمة النص اللغوي من اللغة التي كتب بها إلى أخرى، تعبيرا عن المعاني المقصودة بطريقة صحيحة تؤدي المعنى المقصود.
أ – الترجمة في الإسلام: يشير كثير من المؤرخين إلى أن الترجمة لم تعرف إلا في عصر الدولة العباسية مع حركة التعريب التي قام بها الخليفة محمد المأمون، وهي أكبر عملية ترجمة في تاريخ الإسلام، إن لم تكن في تاريخ البشرية، إلا أن الترجمة كانت عناية الإسلام بها منذ نشأته، خاصة مع الهجرة إلى المدينة، والاحتكاك باليهود، باعتبار أنهم أصحاب لغة أخرى غير اللغة العربية، وهي اللغة العبرية، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت- رضي الله عنه- بتعلم اللغة العبرية، فتعلمها في خمسة عشر يوما فقط، كما أخرج أحمد في المسند، وأخرجه البخاري معلقا، فعن عن خارجة بن زيد أن أباه زيدًا أخبره: أنّه لما قَدِم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة قال زيد: ذُهِب بي إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأُعجب بي، فقالوا: يا رسول اللَّه، هذا غلام من بني النّجّار معه ممّا أنزل اللَّه عليك بضع عشرة سورة، فأَعجبَ ذلك رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: “يا زيدُ، تَعَلَّمْ لي كتاب يهود، فإنّي واللَّه ما آمَنُ يهود على كتابي”. قال زيد: فتعلَّمْتُ له كتابَهم، فما مرّت بي خمس عشرة ليلة حتى حَذَفْتُه، فكنتُ أقرأُ له كتبَهم إذا كتبوا إليه، وأُجيب عنه إذا كَتب.
قال ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 368): ” وهذا ذكاء مفرط جدا”.
كما أنه – رضي الله عنه- كان يجيد غيرها من اللغات، ففي المسند أيضا عن زيد قال:” قال لي رسول الله أتحسن السريانية؟ قلت: لا. قال: فتعلمها. فتعلمتها في سبعة عشر يوما”، كما تعلم الفارسية في ثمانية عشر يوما، وتعلم الحبشية والرومية والقبطية من الخدم الذين كانوا يخدمون النبي صلى الله عليه وسلم.
فتعلم زيد بن ثابت – رضي الله عنه- ست لغات مختلفات، وقد كان صغار الصحابة، حيث قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن إحدى وعشرون سنة.
ب – ترجمة الأعاجم المسلمين: على أن حركة الترجمة أيضا سبقت حركة التعريف، حيث دخل الأعاجم الإسلام، وحتى يفهموا نصوص الكتاب والسنة أقبلوا على تعلم اللغة العربية، وهم يحملون لغتهم الأصيلة، ولم يكن تعلم اللغة العربية إجبارا، بل كان مسايرة للدولة الناشئة، وللعلوم والمعارف التي جاءت عن طريق الوحي، فكان الدافع هو الإيمان، حتى إن كثيرا من الأعاجم تفوق على كثير من العرب في اللغة نفسها، فسيبويه الذي ألف أعظم كتاب في اللغة، الذي هو ( الكتاب) هو من أصل أعجمي من شيراز، وابن جني صاحب كتاب ( الخصائص) أصله من الروم، وأبو علي الفارسي صاحب (كتاب الشعر) من أصل فارسي، وابن فارس صاحب كتاب( مقاييس اللغة) من قزوين من بلاد فارس، والزمخشري صاحب ( تفسير الزمخشري) و( أساس البلاغة) من زمخشر بخوارزم بآسيا الوسطى، أوزبكستان حاليا، والإمام عبد القاهر الجرجاني مؤسس علم البلاغة، وصاحب كتاب (أسرار البلاغة) و ( دلائل الإعجاز) من أصل فارسي، والفيروزآبادي صاحب كتاب ( القاموس المحيط) من أصل فارسي من شيراز، وغيرهم من كبار علماء العربية لم يكونوا من أصل العرب.
وكذلك فقهاء المدينة السبعة كان ستة منهم أعاجم، وعلا كعب الأعاجم في علوم اللغة والشريعة، وقد علل ابن خلدون ذلك في مقدمته، بانصراف العرب إلى شؤون بالفتوحات الإسلامية، كما أنهم لم يكونوا أهل حضارة مثل أبناء الحضارات الأخرى، فانشغل الأعاجم بالعلم؛ زادوا رفعة، وكانت العربية وسيلتهم إلى ذلك.
إلا أن هؤلاء المسلمين الجدد كان لهم إسهام غير منكور في الحركة العلمية من خلال معرفتهم لغاتهم الأخرى غير العربية، فنقلوا كثيرا من المعارف والعلوم التي تعلموها في بلادهم وكتبوها باللغة العربية فيما ألفوه من مؤلفات، ومن أشهر هؤلاء ابن المقفع والجاحظ وغيرهما.
جـ – ترجمة الدواوين: وقد اعتنت دولة الإسلام في كل مراحلها بالترجمة، ففي العصر الراشد دون عمر بن الخطاب الدواوين، وهي سجلات يحفظ فيها أسماء من لهم حق العطايا، وهي كانت معروفة في بلاد فارس، يعني أنها قد ترجمت إلى العربية. وقد اختلف المؤرخون في أي سنة دونت الدواوين، فينما يذهب الطبري إلى أنها كانت سنة (15هـ)، يرى البلاذري أنها كانت سنة (20هـ).
والسبب الذي دعا عمر رضي الله عنه إلى وضع الديوان هو كثرة الأموال التي كانت تجيء إلى المدينة من البلاد المفتوحة وغيرها.
يقول الماوردي في (الأحكام السلطانية: ص249): “واختلف الناس في سبب وضعه له، فقال قومٌ: سببه أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قدم عليه بمالٍ من البحرين، فقال له عمر رضي الله عنه: ماذا جئت به؟ فقال: خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر، فقال: أتدري ما تقول؟ قال: نعم مائة ألفٍ خمس مرَّات، فقال عمر: أطيِّبٌ هو؟ فقال: لا أدري، فصعد عمر رضي الله عنه المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس قد جاءنا مالٌ كثيرٌ، فإن شئتم كلنا لكم كيلًا، وإن شئتم عددنا لكم عدًّا، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يُدوِّنون ديوانًا لهم فدوِّن أنت لنا ديوانًا”.
وقد كانت نظرة عمر رضي الله عنه صائبة، بل إنه لما اعترض عليه أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام رضي الله عنهما فقالا: “يا أمير المؤمنين، أديوان كديوان بني الأصفر، إنَّك إن فعلت ذلك اتَّكل الناس على الديوان وتركوا التجارات والمعاش، فقال عمر: قد كثر الفيء والمسلمون”.
د – الترجمة في العصر الأموي: ولكن الازدهار الأكبر من ذلك كانت في عهد الدولة الأموية على يد الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان – رحمه الله- حيث أمر بتعريب دواوين الدولة الأموية كلها، وكان في عصره خالد بن يزيد بن معاوية رائد الترجمة في العصر الأموي، فترجمت كتب كثيرة من اللغة الإغريقية إلى اللغة العربية في كثير من العلوم الأدبية والتجريبية، وأضحت اللغة العربية هي لغة الحضارة، واستمر تشجيع الدولة الأموية على الترجمة في عصر عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك، وكانت عنايتهما بترجمة كتب العلوم والتاريخ والأدب، خاصة من اللغة السريانية.
هـ – الترجمة في العصر العباسي: ولما انتقلت الخلافة من ( الكوفة) إلى ( بغداد) في العصر العباسي نشطت حركة الترجمة، و قد ساعد في هذا أن بغداد كانت نقطة التقاء بين كثير من الثقافات والحضارات، وقد كان اهتمام غالب الخلفاء العباسيين بالترجمة عظيما، إلا أن الحركة الأبرز كانت في عهد الخليفة ( محمد المأمون، المتوفى: 218هـ)، حيث أنشأ ( بيت الحكمة)، خاصة بعدما رأى الرؤيا التي رأى فيها أرسطاليس وسأله في المنام عدة أسئلة، فلما استيقظ سأله عنه حنين بن إسحاق، فأخبره أنه من كبار فلاسفة اليونان، فأمر بترجمة الحكمة اليونانية وغيرها من العلوم الأخرى، كالرياضيات والفلك والطب وغيرها.
ويذكر ابن النديم في كتابه الفهرست ( لما استظهر المأمون على ملك الروم، كتب إليه يسأله الإذن في إنقاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة المدخرة ببلد الروم، فأجاب إلى ذلك بعد امتناع، فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم: الحجاح ابن مطر، وابن البطريق، وسلم صاحب بيت الحكمة وغيرهم، فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا، فلما حملوا إليه أمرهم بنقله”.
ولم تتوقف حركة الترجمة في تاريخ الإسلام منذ أن بدأت حركة الترجمة، لما لها من أثر كبير في الحركة العلمية والأدبية والفلسفية والدينية أيضا.