أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الظرفاء والشحاذون بين بغداد وباريس

مدار الساعة,أخبار ثقافية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - التاريخ الاجتماعي -بشكل عام- هو العلم الذي يركز على الاهتمامات الاجتماعية في التاريخ، ويرصد حركة المجتمع بمختلف طبقاته وفئاته، وقد ازدهر بصفته علما مستقلا خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين، مجسدا ردة فعل على تركيز دراسات التاريخ الاقتصادي والسياسي في فئات الصفوة.

ويعتبر التاريخ الاجتماعي من أهم أنواع التاريخ، ذلك بأنه يصور الجانب الأعمق من حياة الأمم والمجتمعات، ويكشف عن طباعها المستكنة وعاداتها الظاهرة، ويتناول بالتوثيق ما يختلج في نفوس عقلائها وما ينطلق فلتاتٍ على ألسنة مجانينها، فهو يعبر عنها أصدق تعبير وأدقه، وليس التاريخ السياسي -في حقيقته- إلا مظهر بسيط لتفاعلات التاريخ الاجتماعي، مع أنه أي التاريخ السياسي يهتم بالمتغير والمتحول سريعا، أما التاريخ الاجتماعي فيهتم بالثابت والمستمر طويلا، فالتغيير الاجتماعي لا يقع -غالبا- إلا بعد قرون.

وقد بين المنجد في مقدمة كتابه دوافعه للكتابة في هذا الموضوع، ومنها “إظهار الحضارة الإسلامية وما بلغته من سمو وعلاء”، وقد رصد ظاهرة غياب هذا النمط من التأليف عن التراث الإسلامي، وفسره بأن أهل كل فن صرفهم الوفاء لعلومهم عن رصد هذه الطبقات وتدوين حياتها وتقاليدها، “فالأدباء كانوا يقصدون اللهو، والمؤرخون عقلتهم حادثات السياسة والحرب فأهملوا المجتمع، وعلماء البلدان تركوا صورا قلائل قد تفيدك، والرحالون غرهم ما كانوا يلاقون من إكرام وترحاب، فوصفوا ما أحاط بهم، من مظاهر خارجية، وأهملوا التحري والاستقصاء”.

عرض المنجد في كتابه لتعريف الظرف والظرفاء وآدابهم المرعية وتقاليدهم في اللباس والزينة والهدايا والتحف، مبرزا تفوق البغداديين على الباريزيين في ذلك، رغم تباعد الأزمنة وتباين الأمكنة، كما أوضح أن الفرس هم من علموا العرب وأورثوهم هذه العادات والتقاليد المترفة الناعمة.

وناقش أيضا ارتباط الظرف في بغداد بالمروق من الدين والتهتك والفسوق، مما يذكر بحال كثير من شبابنا المعاصر الذي يرى أن المدنية متلازمة مع ترك الصلاة ورقة الدين وتبني الآراء العقدية المنحرفة والشاذة، قال: “أصبحت الزندقة سبيلا إلى الظرف، وأضحى الجاهل الغر يتطفل على الزندقة، وينتحلها ليعد من الظرفاء”.

أما في باريز فقد “نشأ مبدأ الظرف في قصر رامبويه، وكانت المركيزة صاحبته أول من دعا إلى الظرف في فرنسا، فكان يجتمع في قصرها العظيم الظراف الكبار من الأرستقراطيين والأدباء والشعراء”، ثم تلتها بعد بعد ذلك في هذا السبيل السيدة مدام لامبيير ففتحت بهوها وأحاطت نفسها بالأدباء والفلاسفة، وتبعتهم مدام دُدِيفاند والآنسة دونيسبيناس، وأصبحت هذه الأبهة الأدبية مركز الظرف.

وكانت للشحاذين في بغداد تقاليد مرعية، رصدها الجاحظ الذي كان أول من اهتم بهم وكتب عنهم، فقد سرد في وصية خالويه المكدي لابنه، عندما جاءه الموت عددا من فِرَقِهم، وبَيَّنَ طرفا من أسرارهم، فقال: “وهذا خالويه المكدي، وكان قد بلغ من البخل والتكدية، وفي كثرة المال المبالغ التي لم يبلغها أحد. قالوا له: أتعرف المكدين؟ قال: وكيف لا أعرفهم، ولم يبق في الأرض مخطراني، ولا مستعرض الأقفية، ولا شحاذ، ولا كاغاني، ولا بانوان، ولا قرسي، ولا عواء، ولا متشعب، ولا مزيدي، ولا إسطيل، إلا وكان تحت يدي، ولم يبق في الأرض كعبي ولا مكد إلا وقد أخذت العرافة عليه”.

مدار الساعة ـ