مدار الساعة - يحاول القائمون على إنتاج المسلسل المسمى “ممالك النار” إبراز صورة مشوهة ومغلوطة ملؤها التحريف وتشويه الحقائق عن أحد أهم سلاطين الدولة العثمانية وهو السلطان سليم الأول، إذ يعرض فترة توجه العثمانيين نحو الشرق وقضائهم على دولة المماليك الذي انتهى بسيطرة العثمانيين على المنطقة العربية، ويبدو للمشاهد في حلقات المسلسل الأولى وكأن دولة المماليك دولة مصرية محلية وأن العثمانيين طارئين على الشام ومصر، ونسوا أن المماليك أقرباء العثمانيين بالدم وكلهم من أصل تركي.
ولقد استهدف المسلسل بشكل أساسي شخصية السلطان سليم الأول، وأخذ يظهره كسلطان متوحش ومتعطش للدماء، يعشق السلطة، ويضحي في سبيلها بكل شيء، ولا يرعى في ذلك ما قد يَمس مصالح الأمة والمسلمين من ضرر، إلا أن المتصفح لتاريخ هذا السلطان العظيم يرى العكس تماماً، ويعلم أن الحروب التي خاضها في الشرق والجنوب إنما كانت في سبيل الله وإعلاء كلمته ومن أجل الحفاظ على رفعة الأمة ووحدتها، ودفع الأخطار المتمثلة بالخطر الصفوي في الشرق والبرتغالي في الجنوب، بالإضافة إلى رفع المظالم التي أوقعها المماليك في آخر عهدهم بأهل مصر والشام والأمصار الإسلامية التي حكموها.
وللاطلاع أكثر على تلك المرحلة التاريخية المهمة في تاريخ الأمة، فإننا أردنا التركيز عن محطات أساسية في عهد السلطان سليم الأول وسيرته وأعماله وإنجازاته الداخلية والخارجية، لتبيان مدى التشويه والتحريف الذي تعرض له ذلك السلطان ودولته.
أولاً: سليم الأول … نشأته وصفاته
هو سليم بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح، وأطلق على سليم وهو صغير السن لقب (ياووز أو يافوز) وتعني بالعربية “صارم”، ولقب بالفرنسية (الرهيب). وتروي المصادر العربية والتركية أن سليم في صغره كان مشاغباً وكثير الحركة مهتماً بالفروسية والقتال، وهي الطباع التي ستتخلل سنين حكمه القليلة التي قضاها في معارك وانتصارات ضد خصوم الدولة وأعدائها. وفي فترة حكم والده كان والياً على طرابزون، وقد أتاحت له ولايته الاحتكاك ببعض تحركات الدولة الصفوية الرامية للتوسع في الأناضول على حساب الدولة العثمانية، وتولى الحكم بعد والده ليبدأ مسيرة من الجهاد وتوحيد العالم الإسلامي تحت حكمه.
ثانياً: سليم الأول سلطاناً للدول العثمانية
تولى سليم الأول عرش الدولة العثمانية في (8 صفر 918هـ / 25 إبريل 1512م) خلفا لأبيه بايزيد الثاني الذي تنازل له عن السلطة، وقد أظهر سليم منذ بداية حكمه ميلاً إِلى تصفية خصوم الدولة، وكان يحبُّ الأدب، والشِّعر الفارسي، والتَّاريخ، ورغم قسوته فإِنَّه كان يميل إِلى صحبة رجال العلم، وكان يصطحب المؤرِّخين، والشُّعراء إِلى ميدان القتال؛ ليسجلوا تطوُّرات المعارك، وينشدوا القصائد الَّتي تحكي أمجاد الماضي.
وقد أحدث السُّلطان سليم الأول تغييراً جذرياً في سياسة الدَّولة العثمانيَّة الجهاديَّة، فقد توقَّف في عهده الزَّحف العثمانيُّ نحو الغرب الأوربيِّ، أو كاد أن يتوقَّف، واتَّجهت الدَّولة العثمانيَّة اتجاهاً شرقيَّاً نحو المشرق الإِسلامي، وقد ذكر بعض المؤرِّخين الأسباب الَّتي أدَّت إِلى تغيُّر السِّياسة العثمانيَّة، منها:
– التَّشبُّع العسكري العثماني في أوروبا؛ إِذ يرى أصحاب هذا الرأي: أنَّ الدولة العثمانيَّة كانت قد بلغت مرحلة التَّشبُّع في فتوحاتها الغربيَّة بنهاية القرن الخامس عشر، وأنَّه كان عليها في أوائل القرن السَّادس عشر أن تبحث عن ميادين جديدة للنَّشاط، والتوسُّع، وهذا الرأي يخالفه الصَّواب؛ لأنَّ الفتوحات العثمانيَّة لم تنقطع تماماً من الجبهة الغربية، ولكن لا ريب في أنَّ مركز الثِّقل في التوسُّع العثماني قد انتقل نهائياً من الغرب إِلى الشَّرق ليس بسبب التَّشبُّع، كما تقول بعض المصادر غير المدركة للواقع.
– كان تحرُّك الدَّولة العثمانيَّة نحو المشرق من أجل إِنقاذ العالم الإِسلامي بصورةٍ عامَّةٍ والمقدَّسات الإِسلاميَّة بصورةٍ خاصَّةٍ من التَّحرُّك الصَّليبي الجديد من جانب الإسبان في البحر المتوسِّط، والبرتغاليِّين في المحيط الهندي، وبحر العرب، والبحر الأحمر؛ الَّذين أخذوا يطوِّقون العالم الإِسلامي، ويفرضون حصاراً اقتصادياً حتَّى يسهل عليهم ابتلاعه.
– سياسة الدَّولة الصَّفويَّة في إِيران، والمتعلِّقة بمحاولة بسط المذهب الشِّيعي في العراق، وآسيا الصُّغرى هي الَّتي دفعت الدَّولة العثمانيَّة إِلى الخروج إِلى المشرق العربي؛ لحماية آسيا الصُّغرى بصفةٍ خاصَّةٍ، والعالم السُّنِّي بصفةٍ عامَّةٍ.
1. حرب السلطان سليم الأول مع الصفويين
إِنَّ سياسة الدَّولة العثمانيَّة في زمن السُّلطان سليم سارت على هذه الأسس، ألا وهي القضاء على الدَّولة الصَّفويَّة الشِّيعيَّة، وضمُّ الدَّولة المملوكيَّة، وحماية الأراضي المقدَّسة وملاحقة الأساطيل البرتغاليَّة، ودعم حركة الجهاد البحري في الشَّمال الأفريقي للقضاء على الإسبان، ومواصلة الدَّولة جهادها في شرق أوروبا.
وعندما تولَّى السُّلطان سليم السَّلطنة قامت أجهزة الدَّولة العثمانيَّة الأمنيَّة بحصر الشِّيعة التابعين للشَّاه إِسماعيل، والمناوئين للدَّولة العثمانيَّة ثمَّ قام بتصفية أتباع الشَّاه إِسماعيل، فسجن، وأعدم عدداً كبيراً من أنصار الشَّاه إِسماعيل في الأناضول، ثمَّ قام بمهاجمة إِسماعيل نفسه، فتداولت الرَّسائل الخشنة بينهما، حسب المعتاد.
وكتب السُّلطان سليم رسالة إِلى إِسماعيل الصَّفوي قال فيها: (… إِنَّ علماءنا، ورجال القانون قد حكموا عليك بالقصاص يا إِسماعيل! بصفتك مرتدَّاً، وأوجبوا على كل مسلمٍ حقيقيٍّ أن يدافع عن دينه، وأن يحطِّم الهراطقة في شخصك، أنت وأتباعك البلهاء، ولكن قبل أن تبدأ الحرب معكم، فإِنَّنا ندعوكم لحظيرة الدِّين الصَّحيح قبل أن نشهر سيوفنا، وزيادةً على ذلك فإِنَّه يجب عليك أن تتخلَّى عن الأقاليم الَّتي اغتصبتها منا اغتصاباً، ونحن حينئذٍ على استعدادٍ لتأمين سلامتك…).
وفي رسالة أخرى فقد هدِّد الشَّاه إِسماعيل الصَّفوي، يقول فيها:(بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، قال الله الملك العلام: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } آل عمران:19]
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [سورة آل عمران:85]
{ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [سورة البقرة:275]
اللَّهمَّ اجعلنا من الهادين غير المضلِّين، ولا الضَّالين، وصلَّى الله على سيِّد العالمين محمدٍ المصطفى النَّبيِّ، وصحبه أجمعين).
وبدأ سليم الأوَّل يسرع في تحريك الصِّراع بينه وبين الشَّاه إِسماعيل، فأرسل إِليه للمرَّة الثَّانية، وأرسل مع رسالته خرقةً، ومسبحةً، وكشكولاً، وعصاً رمز فرق الدَّراويش، وهو بهذا يقصد إِلى أن يذكره بأصله، وبأهل الأسرة الصَّفويَّة الَّتي لا تستطيع الصُّمود في الحرب، ومع ذلك فقد ردَّ الشاه إِسماعيل بطلب المهادنة، وتجديد علاقات السِّلم، والصَّداقة بين الدَّولتين، ولم يقبل سليم الأوَّل هذا من شاه الصَّفويِّين، وأهان رسوله، وأمر بقتل رسول الشَّاه الصَّفوي، وقد أدرك سليم الأوَّل: أنَّ خطَّة أعدائه تتلخَّص في المهادنة، والتَّباطؤ لتأجيل موعد اللِّقاء حتَّى يحين فصل الشتاء، واستمرَّ السُّلطان سليم في تحرُّكه، ووصلته الأخبار: أنَّ إِسماعيل الصَّفوي قد بدأ الاستعداد للقتال، والحرب، بل إِنَّه على وشك الوصول إِلى صحراء جالديران، فبدأ سليم الأوَّل المسير نحوها، فوصلها في أغسطس عام 1514م، واحتلَّ المواقع الهامَّة بها، واعتلى الأماكن الهضبيَّة فيها، ممَّا مكَّنه من إِيقاع الهزيمة بإِسماعيل الصَّفوي، وجنوده، وكانت هزيمةً ساحقةً حلَّت بالجيش الصَّفوي الشِّيعي على أرضه.
واضطرَّ إِسماعيل إِلى الفرار في الوقت نفسه الَّذي كان سليم الأوَّل يستعدُّ فيه للدُّخول إِلى تبريز عاصمة الصَّفويين. ودخل سليم الأول تبريز، وحصر أموال الشَّاه الصَّفوي، ورجال القلزباس، واتَّخذها مركزاً لعملياته الحربيَّة.
لم ينته الصِّراع بين السُّنَّة في الدَّولة العثمانيَّة، والشِّيعة في إِيران بانتهاء معركة جالديران، وإِنَّما ازداد العداء حدَّةً، وازداد الصِّراع ضراوةً، وظلَّ الطَّرفان يتربَّص كلٌّ منهما بالآخر.
2. الحرب العثمانية مع المماليك:
بعد أن تغلَّب السُّلطان سليم الأوَّل على الصَّفويِّين في شمال، وغربي إِيران بدأ السُّلطان العثمانيُّ يستعدُّ للقضاء على دولة المماليك، ولقد ساهمت عدَّة أسباب في توجه العثمانيين لضمِّ الشَّام، ومصر منها:
– موقف المماليك العدائيُّ من الدَّولة العثمانيَّة؛ حيث قام السُّلطان قانصوه الغوري (907 -922هـ/1501 -1516م) سلطان الدَّولة المملوكيَّة بالوقوف مع بعض الأمراء العثمانيِّين الفارِّين من وجه السُّلطان سليم، وكان في مقدِّمتهم الأمير أحمد أخو السُّلطان سليم.
– الخلاف على الحدود بين الدَّولتين في طرسوس في المنطقة الواقعة بين الطَّرف الجنوبي الشَّرقي لآسيا الصُّغرى، وبين شمالي الشَّام.
– تفشِّي ظلم الدَّولة المملوكيَّة بين النَّاس، ورغبة أهل الشَّام، وعلماء مصر في التخلُّص من الدَّولة المملوكيَّة، والانضمام إِلى الدَّولة العثمانيَّة، فقد اجتمع العلماء، والقضاة، والأعيان، والأشراف، وأهل الرَّأي مع الشَّعب، وتباحثوا في حالهم، ثمَّ قرروا أن يتولَّى قضاة المذاهب الأربعة، والأشراف كتابة عريضةٍ نيابةً عن الجميع، يخاطبون فيها السُّلطان العثماني سليم الأوَّل، ويقولون: إِنَّ الشعب السُّوري ضاق «بالظُّلم» المملوكي، وإِنَّ حكام المماليك «يخالفون الشَّرع الشَّريف»، وإِنَّ السُّلطان إِذا قرر الزَّحف على السَّلطنة المملوكيَّة؛ فإِنَّ الشعب سيرحِّب به، وتعبيراً عن فرحته، سيخرج بجميع فئاته، وطوائفه إلى عينتاب ـ البعيدة عن حلب ـ ولن يكتفوا بالتَّرحيب به في بلادهم فقط، ويطلبون من سليم الأوَّل أن يرسل لهم رسولاً من عنده، وزيراً ثقةً، يقابلهم سرَّاً، ويعطيهم عهد الأمان، حتَّى تطمئنَّ قلوب النَّاس.
– عثور المخابرات العثمانيَّة على خطاب تحالفٍ سرِّي يؤكِّد العلاقة الخفيَّة بين المماليك، والفرس، والخطاب محفوظٌ في أرشيف متحف طوب قابو في إستانبول.
– وكان السُّلطان سليم يريد الكرَّة على الشِّيعة الصَّفويَّة في بلاد فارس، ومع توتُّر الأحداث؛ رأى السُّلطان سليم تأمين ظهره، وذلك بضمِّ الدولة المملوكيَّة إِلى أملاكه.
– فزحف السلطان سليم بجيشه نحو الشام، والتقى الجمعان على مشارف حلب في مرج دابق عام 1517م وانتصر العثمانيُّون، وقُتِل الغوري سلطان المماليك، وأكرم العثمانيُّون الغوري بعد مماته، وأقاموا عليه صلاة الجنازة، ودفنوه في مشارف حلب، ودخل سليم حلب، ثمَّ دمشق، ودُعي له في الجوامع، وسُكَّت النُّقود باسمه سلطاناً، وخليفةً. ومن الشَّام أرسل السُّلطان سليم إِلى زعيم المماليك في مصر «طومان باي» أن يلتزم بالطَّاعة للدَّولة العثمانيَّة، وكان ردُّ المماليك السُّخرية برسول السُّلطان، ثمَّ قتله.
وقرَّر السلطان سليم الحرب، وتحرَّك نحو مصر، وقطع صحراء فلسطين قاصداً مصر، ونزلت الأمطار على أماكن سير الحملة ممَّا يسَّرت على الجيش العثماني قطع الصَّحراء النَّاعمة الرِّمال بعد أن جعلتها الأمطار الغزيرة متماسكةً يَسهل اجتيازها.
يروي المؤرِّخ: «سلاحثور» صاحب مخطوطة فتح نامه ديار العرب، وكان مصاحباً لسليم: أنَّ سليماً الأوَّل كان يبكي في مسجد الصَّخرة بالقدس بكاءً حارَّاً، وصلَّى صلاة الحاجة داعياً الله أن يفتح عليه مصر. وحقَّق العثمانيُّون انتصاراً ساحقاً على المماليك في معركة غزَّة، ثم معركة الرَّيدانيَّة.
3. السلطان سليم الأول والتصدي للخطر البرتغالي على السواحل الإسلامية:
قامت دولة البرتغال في عام 1514م بتحريك حملةٍ على المغرب الأقصى يتزعَّمها الأمير «هنري الملاح» واستطاعت تلك الحملة أن تحتلَّ ميناء سبتة المغربي، وكان ذلك بـدايـة لسلسلةٍ من الأعمال العدوانيَّـة المتتالية، ثمَّ واصلت البرتغال حملاتها على الشمَّال الأفريقي حتى تمكنت من الاستيلاء على أصيل، والعرائش، ثمَّ طنجة في عام 1471 للميلاد. وواصلت بعد ذلك أطماعها في مراكز هامَّةٍ جدَّاً مثل ميناء «أسفى، وأغادير، وأزمورة، وماسة».
وأما عن توجه البرتغال إِلى المحيط الأطلسي، ومحاولتهم الالتفاف حول العالم الإِسلامي، فقد كان العمل مدفوعاً بالدَّرجة الأولى بدوافع صليبيَّة شرسة ضدَّ المسلمين؛ حيث اعتبرت البُرتغال: أنَّها نصيرة المسيحيَّة، وراعيتها ضدَّ المسلمين، حيث اعتبرت قتال المسلمين ضرورةً ماسَّةً، وصارمة، ورأت الإِسلام هو العدوُّ اللَّدود الَّذي لا بدَّ من قتاله في كلِّ مكانٍ.
وبعد أن ضمَّ العثمانيُّون بلاد مصر، والشَّام، ودخلت البلاد العربيَّة تحت نطاق الحكم العثماني واجهت الدَّولة العثمانيَّة بقيادة السلطان سليم الأول البرتغاليِّين بشجاعةٍ نادرةٍ، فتمكنت من استرداد بعض الموانئ الإِسلاميَّة في البحر الأحمر مثل: مصوع، وزيلع، كما تمكَّنت من إِرسال قوَّةٍ بحريَّةٍ بقيادة «مير علي بك» إِلى السَّاحل الأفريقي، فتمَّ تحرير مقديشو، وممبسة، ومُنيت الجيوش البرتغاليَّة بخسائر عظيمةٍ.
4. السلطان سليم الأول؛ حامي الحرمين الشريفين
ترتب على فتوحات السلطان العثماني سليم الأول أن أصبحت الدولة العثمانية تضم الأماكن المقدسة في الحجاز، متمثلة في المسجد الحرام حيث الكعبة المشرفة، والمسجد النبوي الشريف مثوى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى المسجد الأقصى في فلسطين، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أضفى كل هذا على الدولة العثمانية زعامة دينية، وأضيف إلى ألقاب السلطان العثماني سليم الأول لقب “حامي الحرمين الشريفين أو خادم الحرمين الشريفين”، وصار لقبا لكل من جاء بعده من الخلفاء.
5. الخلافة الإسلامية في عُهدة السلطان سليم الأول
بعد انتصار السلطان سليم الأول في معركة مرج دابق، خطب له في أول صلاة جمعة صلاها في حلب باعتباره خليفة للمسلمين وسكت العملة باسمه. وتذهب بعض الروايات التاريخية إلى أن الخليفة العباسي المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسيين في مصر تنازل عن الخلافة لبني عثمان في مراسم جرت في آيا صوفيا بعد عودته مع السلطان سليم الأول إلى إستانبول. وتضيف بعض الروايات أن الخليفة المتوكل قلد السلطان العثماني سليم السيف، وألبسه الخلعة في جامع أبي أيوب الأنصاري بعد مراسم آيا صوفيا.
وأيا ما كان الأمر، فقد أصبحت الدولة العثمانية هي مركز الثقل في العالم، وأصبح سلطانها هو خليفة المسلمين لا ينازعه في هذا اللقب أحد، غير أن اهتمام العثمانيين بهذا اللقب الجليل ازداد منذ القرن التاسع عشر الميلادي، واتخذوا من الخلافة وإحياء مجدها واسترداد ما كان لها من الهيبة والنفوذ والمكانة وسيلة لمقاومة ضغوط الدول الأوروبية والاستعمارية على الخلافة العثمانية.
ثالثاً: نهاية عهد السلطان سليم الأول
عاد السلطان سليم الأول إلى العاصمة إستانبول بعد أن حقق مجدا للدولة العثمانية واتساعا في رقعتها ومساحتها، وحاملاً لقب حامي الأماكن المقدسة ورافعة راية الإسلام في الشرق، وفي أثناء إقامته هبت فتنة شيعية في منطقة طوقاد الأناضولية عام 625هـ / 1519م، فأرسل إليها أحد قواده، فنجح في إخمادها والقضاء عليها، وأعاد السكون إليها. وفي عام 926هـ / 1520م توفي سليم الأول بعد أن قضى في الحكم تسع سنوات من الانتصار ورفع راية الإسلام ودحر أعداء الأمة والمتربصين بوحدتها في مشارق الأرض ومغاربها.