المستشفى الأميركي في غزة، حتى ولو كانت دوافعه إنسانية ومن إسهامات مؤسسة مجتمع مدني أميركية غير حكومية، ولكن دوافعه سياسية بامتياز تهدف بشكل مباشر تعزيز استقلالية قطاع غزة عن الضفة والقدس، وعن السلطة الفلسطينية، الذي أقر اتفاق أوسلو أن الضفة والقدس والقطاع وحدة جغرافية وسياسية واحدة تشكل قاعدة للدولة الفلسطينية المنشودة، والفريق السياسي اليميني، واليميني المتطرف، والديني اليهودي المتشدد، لا يؤمن بهذا الاتفاق ويعمل على تقويضه وفكفكة مضامينه السياسية والاقتصادية ليقتصر على بناه الأمنية فقط وعنوانها التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، ولذلك جاء المستشفى كغطاء إنساني لهدف سياسي مقصود ومدروس.
الهدف السياسي الأميركي الإسرائيلي فصل قطاع غزة عن باقي المكونات الفلسطينية، وتعزيز استقلاليته بشكل تدريجي، عبر بناء المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية، والبنى التحتية، لتوفير فرص العمل لآلاف العمال من أبناء قطاع غزة، وتحسين المستوى المعيشي مقابل توفير التهدئة واستمراريتها من قبل حركة حماس للمستعمرة الإسرائيلية وإنهاء حالة العنف وإشاعة الأمن والاستقرار والتهدئة بتلاوينها وأشكالها المختلفة.
مشاريع تطوير قطاع غزة على قاعدة التهدئة الأمنية لم يكن مخفياً، ولم يعد مخفياً، فهو حصيلة تفاهم ومباحثات غير مباشرة بين غزة وتل أبيب، والوسيط هو مبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف.
مشروع تطوير قطاع غزة بناء على اتفاق التهدئة إضافة إلى ما يحققه من أهداف أمنية واقتصادية، يتوسل تحقيق هدف سياسي يُلبي طموح حركة حماس في تعزيز سلطتها واستقلالها عن سلطة رام الله، وفتح بوابات التعامل التدريجي معها، وتدجينها وتحميلها مسؤولية إدارة قطاع غزة لتلتهي به كما تطمح، وهي تعرف أن الولايات المتحدة والمستعمرة الإسرائيلية لا يتعاملون بمنطق الشفقة والدوافع الإنسانية بل لدوافع سياسية مدفوعة الثمن، فالتسهيلات لتمرير المال، وبناء المستشفى الأميركي، ومشاريع التطوير المقترحة بما فيها مجمعات صناعية في إطار اتفاق التهدئة، هي الأسباب والدوافع لجعل إسهامات حركة حماس متواضعة في مواجهة العدو الإسرائيلي حين نفذ عملية اغتيال قيادات حركة الجهاد الإسلامي يومي 12 و13 تشرين الثاني 2019.(الدستور)