انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة مقالات مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة

الشوق إلى الله تعالى (شوق الصالحين إلى الله تعالى)

مدار الساعة,شؤون دينية
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/23 الساعة 08:57
حجم الخط

مدار الساعة - أعظم المحبة نفعا محبة الله تعالى، ومحبة ما يحبه سبحانه، وأشد الشوق الشوق إليه عز وجل؛ فهو الرب الإله الخالق الرازق المدبر، فلولاه سبحانه لما خُلق العبد ولما رزق، ولولاه عز وجل لما اهتدى المؤمن ولما عرف الإيمان؛ فكل نعمة على الإنسان فهي منه سبحانه {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53].

وأهل الإيمان واليقين عرفوا ذلك، وعلموا من صفات الله تعالى ما أوجد الشوق في قلوبهم إليه سبحانه وإلى لقائه، يتذكرون جماله وجلاله وكماله فيشتاقون لرؤيته، ويسألونها إياه في دعائهم، ويتذكرون رحمته فيشتاقون إليها؛ هربا من قسوة البشر وغلظتهم وفظاظتهم.

وأخبار الصالحين في شوقهم إلى الله تعالى كثيرة، ولا سيما عند تفاقم الفتن، وتتابع المحن؛ خوفا على دينهم من التبديل والتغيير، ورغبة فيما عند الله تعالى من الخير العظيم.

ومن صدق مع الله تعالى في الشوق إليه بلغه الله تعالى أعلى المنازل، وأجرى له أفضل الكرامات؛ كما في حديث شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا، فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَسَمْتُهُ لَكَ، قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ، فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ، ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ» رواه النسائي.

وهذا الرجل لم يسم في كتب التراجم، ونعرف قصته ولا نعرف شخصه، ولكن الله تعالى يعرفه بصدقه في شوقه إليه سبحانه، والأصل أن الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه؛ ولذا وجه الإمام البيهقي هذا الحديث بقوله: «وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ بَقِيَ حَيًّا حَتَّى انْقَطَعَتِ الْحَرْبُ، ثُمَّ مَاتَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِينَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ بِأُحُدٍ مَاتُوا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ».

وممن اشتاق إلى لقاء الله تعالى عند دنو أجله: الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى؛ فإنه لَمَّا ثَقُلَ قَالَ: «رَبِّي خَيْرُ مَذْهُوبٍ إِلَيْهِ. وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شِفَائِي عِنْدَ شَحْمَةِ أُذُنِي مَا رَفَعْتُ يَدِي إِلَى أُذُنِي فَتَنَاوَلْتُهُ. اللَّهُمَّ خِرْ لِعُمَرَ فِي لِقَائِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى».

وممن اشتاق إلى لقاء الله تعالى عند دنو أجله: التابعي الجليل مَكْحُولٌ الشَّامِيُّ؛ إذ دُخِلَ عَلَيه فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: «أَحْسَنَ اللهُ عَافِيَتَكَ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: الْإِلْحَاقُ بِمَنْ يُرْجَى عَفْوُهُ خَيْرٌ مِنَ الْبَقَاءِ مَعَ لَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ».

ومنهم التابعي الجليل عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي زَكَرِيَّا الذي كَانَ يَقُولُ: «لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أُعَمَّرَ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ ذِي قَبْلُ فِي طَاعَةِ اللهِ تعالى، أَوْ أَنْ أُقْبَضَ فِي يَوْمِي هَذَا، أَوْ فِي سَاعَتِي هَذِهِ، لَاخْتَرْتُ أَنْ أُقْبَضَ فِي يَوْمِي هَذَا، أَوْ فِي سَاعَتِي هَذِهِ؛ تَشَوُّقًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ».

وممن اشتاق إلى لقاء الله تعالى عند دنو أجله التابعي الجليل: خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ الذي قَالَ: «وَاللهِ لَوْ كَانَ الْمَوْتُ فِي مَكَانٍ مَوْضُوعًا لَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ يَسْبِقُ إِلَيْهِ». وعن مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: «اجْتَمَعَ رِجَالٌ مِنَ الْأَخْيَارِ، وَذَكَرُوا الْمَوْتَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْلَا أَنَّهُ أَتَانِي آتٍ أَوْ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَبَقَ إِلَى هَذَا الْعَمُودِ فَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَهُ مَاتَ لَرَجَوْتُ أَنْ لَا يَسْبِقَنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَوْقًا إِلَى لِقَاءِ اللهِ تعالى».

وممن اشتاق إلى لقاء الله تعالى فرارا من الفتن: الإمام سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الذي قال: «مَا نَفْسٌ تَخْرُجُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِي لَأَرْسَلْتُهَا».

ومنهم الإمام أحمد بن حنبل، خشي على نفسه الفتنة بالدنيا لما رفعت المحنة، يَقُول «وَالله لقد تمنيت الْمَوْت فِي الْأَمر الَّذِي كَانَ، وَإِنِّي لأتمنى الْمَوْت فِي هَذَا وَذَاكَ، إِن هَذَا فتْنَة الدُّنْيَا وَكَانَ ذَاك فتْنَة الدّين. قال ابنه صالح: وَكَانَ رَسُول المتَوَكل يَأْتِي أبي يبلغهُ السَّلَام ويسأله عَن حَاله فنُسرُ نَحن بذلك، فتأخذه نفضة حَتَّى ندثره، وَيَقُول: وَالله لَو أَن نَفسِي فِي يَدي لأرسلتها، وَيضم أَصَابِعه ويفتحها».

هذه الأخبار الكثيرة من السلف الصالح في الشوق إلى الله تعالى؛ كانت طلبا للشهادة في سبيل الله تعالى، وهي أعلى ميتة. وجمع منهم قالوا ذلك عند دنو الأجل؛ شوقا إلى الله تعالى وإلى الدار الآخرة، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» رواه الشيخان. وهذا من حسن ظنهم بالله تعالى، ورجائهم فيه سبحانه. ومنهم قوم اشتاقوا إلى الله تعالى وإلى لقائه؛ خوفا من الفتنة بالدنيا ولا سيما مع رؤيتهم كثرة المتساقطين فيها، فلله درهم، ما أشد رغبتهم في الآخرة.

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، ونعوذ بك من ضراء مضرة، ومن فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهديين.

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/23 الساعة 08:57