في المناخ الأمني الإسرائيلي هناك زاوية مظلمة دائمة التحفز بكل ما يتعلق بالعدو المفترض، المواطن الفلسطيني بالدرجة الأولى وكل من يقوم مقامه، ورغم أن حكومة الإحتلال تتعامل مع الوسط اليهودي بأعلى القيّم والأخلاقيات الديمقراطية والتسامح حتى في الجرائم المرتكبة، فإنها تتعامل مع المواطن العربي الأصيل على أنه قنبلة موقوتة حتى يثبت القرار الأمني عكس ذلك، ولذلك كان اعتقال المواطنين الأردنيين هبة اللبدي وعبدالرحمن مرعي سببا في إشعال أزمة سياسية بين عمان وتل أبيب بدرجة أكبر من أنها أزمة أمنيّة، على الرغم من تدخل الطرفين الأمنيين في حل القضية
الشرطة الإسرائيلية اعتقلت هبة اللبدي بناءً على مذكرة إعتقال مسبقة، وتم تحويلها للإيقاف الإداري الذي يعاني منه غالبية الفلسطينيين هناك، والتهمة كانت الإدعاء بأن اللبدي سافرت الى بيروت والتقت هناك بأشخاص يعملون في محطة إذاعية تابعة لحزب الله، بالطبع اللبدي نفت هذه التهمة ونفت أن تكون جاءت الى فلسطين لتجنيد أي شخص للقيام بأي أعمال مقاومة للإحتلال، فيما كان نصيب عبدالرحمن مرعي من التهم أنه عضو إفتراضي أو متعاون مع حركة حماس، ولم يشفع له سجله الصحي كمتعالج من السرطان حيث قررت سلطة الإحتلال اعتقاله إداريا دون أن يرّف لهم جفن
يؤكد لي أحد أهم المراسلين للقنوات الأميركية ضمن نقاش هذه القضية، أن الإستخبارات الإسرائيلية قوية جدا في مجال المعلومات ومن الممكن أنها رصدت تحركات المواطنين، كان رأيي بالموافقة وليس سراّ أن سحابة التجسس الإسرائيلية تغطي سماء العالم العربي كلها، ولكن في أجهزة الإستخبارات هناك قسم للتحليل دائما وتقديم النتائج مبني على مصداقية عالية للمعلومات وتأكيد دقيق، ولكن في الحالة الإسرائيلية كان المميز أنها تورطت مع الجانب الأردني مباشرة في أكثر الظروف تعقيدا وبرودا، رغم تدخل أربعة أطراف عالية المستوى في حل القضية، لم يكن هناك من حلّ سوى الإفراج عن المعتقليّن
كان للتوجيه الملكيّ المباشر لإطلاق سراح اللبدي 32 عاما ومرعي 29 عاما «بأي ثمن سياسي» أكبر فرصة منحت المفاوض الأردني لمواجهة التعنت الإسرائيلي المعهود، إذ قاد وزير الخارجية أيمن الصفدي مفاوضات جدلية مع الطرف الإسرائيلي انتهى الى إعادة السفير غسان المجالي لعمان، ولتأكيد المهمة الأردنية زار رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء يوسف الحنيطي لأول مرة إحدى الوحدات العسكرية في المنطقة الشمالية بمنطقة الباقورة التي ستخرج من السلطة الإسرائيلية الأسبوع القادم
في تلك الأثناء زار عمان المسؤول الإسرائيلي البارز «مائير بن شبات» لإدارة المفاوضات عن الجانب السياسي، بينما كان الجانب الأردني ممثلا بأعلى سلطة أمنية يشتبك مع رئيس جهاز الشاباك «ندّاف أرجمان» ما دعا الى خضوع الجانب الإسرائيلي للمطلب الأردني بإطلاق سراح اللبدي ومرعي مرغمين، ورغم الظروف السياسية المعقدة نتيجة حالة الإنكار السياسي المتلبس بالسلطة الإسرائيلية فإن هذا يؤكد لنا أن قوة الإرادة السياسية والمواجهة هي من تحقق كرامة الوطن والمواطن.
الرأي