مدار الساعة - كتب : سيف الله حسين الرواشدة
تخيل يا رعاك الله لو أن حزبيًا أتاك وأنت في المتجر تشتري حوائج بيتك،
استوقفك ليناقش معك غلاء الأسعار وانعكاس الأزمة الاقتصادية على الحركة التجارية واغلاق المحلات والمعارض المتكرر في عمان مثلاً، وبادلك الحديث في الفقر والبطالة، ثم قدم لك مجموعة من الحلول البديلة لخيارات الحكومة وتوجهاتها، تحت عنوان خطة "الحزب الفلاني" في الملف الاقتصادي ودعاك بعدها الى جلسة سيقيمها هذا الحزب ليقدم للجمهور نظرة سريعة لخططٍ واستراتيجيات يملكها لحل المشاكل التي يعاني منها الأردن.
وتخيل معي يا رعاك الله أيضًا، أن هذا الرجل كان مقنعًا وملهمًا في حماسه ورزانة ما قاله حتى أنه تمكن من فضولك لتذهب لتلك الجلسة، فاستمعت لعرض أكثر عمقًا مدعومًا بالأرقام والدراسات، واضحًا وقابلا للتطبيق، مضافًا اليه جدول زمني دقيق للتنفيذ على المدى القصير والمتوسط، لتشعر عزيزي المواطن بفوائد هذه الخطة لنقل في أول مئة يوم من تنفيذها مثلا.
وقبل نهاية الجلسة التي قدم بها "الحزب الفلاني" بعض أعضائه الممثلين لمنطقتك، طلبوا منك أن تصوت لهم في الانتخابات القادمة حتى يجدوا الفرصة لطرح وتطبيق خططهم فقط، ولم يعدوك بفرصة عمل تخص ابنك العاطل عن الامل من دون باقي الأردنيين ولا بمد شارع او بناء مطب خالصا لك وحدك من دون الناس، ببساطة هؤلاء لا يملكون في جعبتهم واسطة ولا خمسين دينارًا، انما خطتهم فقط.
وتخيل معي أيضا هدانا وهداك الله، أنك وغيرك من الأردنيين، قد صوت لهم، فتمكن "الحزب الفلاني" من النجاح في البرلمان بأغلبية معقولة ليشكل حكومة أو على الأقل ليؤثر على قراراتها، فمن دون أغلبيته لن تمرر الحكومة قوانينها ولا موازنتها ولن تحصل على الثقة اللازمة لها.
وبما أنك قد تخيلت كل ما سبق، فأنت تعلم أنك وغيرك ممن اقتنع بطرح هذا الحزب من أعطاه شرعية وجوده وسلطته، وأن ثقتك به هي مصدر قوته، وأنك من سيحاسبه على أدائه بعدم انتخابه في المرة القادمة على أقل تقدير، ستعلم بكل بساطة أنك عزيزي المواطن البسيط مصدر السلطات والمعالي والباشوية في وطننا الغالي.
كلنا رأينا ماذا فعلت نقابة المعلين في الأزمة الأخيرة، وكيف تمكنت مع حاضنتها الشعبية من الخروج منتصرة بتحقيق نسب معقولة من مطالبها العادلة في فترة قصيرة نسبيًا، والنقابة في ذاك زاوجت بين العمل النقابي العمالي ومطالبه المهنية والعمل الحزبي بخطابه السياسية خاصة لما توجهت للجمهور الأردني عمومًا وأولياء الطلبة خصوصًا لتكسبهم الى صفها وتبنيها لشعارات العدالة الاجتماعية التي خاطبت الضمير الأردني عمومًا، من هـذا قد يصلح أن نقول أن عملاً حزبيا منظمًا وقريبًا من نبض الشارع تشبه وجوهه الأردنيين في المأكل والملبس والشكوى لا ظهر له ولا بطن الا ثقة الناس به ووقوفهم خلفه واقتناعهم بقوله وعمله، قد يصلح حال البلاد والعباد ويمد جسور الثقة المنقطعة بين الشارع والحكومة ومجلس النواب.