انتزعت تونس لقب أيقونة العرب الديمقراطية عن كل جدارة واستحقاق؛ عبرت تحولات الربيع العربي بديمقراطية وحضارية بعد أن تحول ذلك الربيع لخريف وشتاء قاس لباقي الدول التي شهدته، خاضت عدة انتخابات عامة تداولت فيها الاحزاب والتيارات السياسية السلطة بسلاسة، مبتعدة عن الاقصاء والاستحواذ، وهاجس ديمقراطية المرة الواحدة التي يصعد فيها حزب للسلطة ديمقراطياً ثم يتشبث ويرفض المغادرة. الدولة الأكثر بوليسية تحت حكم بن علي، نجحت بتفوق باللحاق بركب الدول الديمقراطية المتقدمة، التي تنعم مجتمعاتها بقيم التعددية وسيادة القانون والعدالة والشفافية والحاكمية الرشيدة
يتسابق المحللون والباحثون لمعرفة سر النجاح التونسي، وتحديد ما هي الشروط أو الوصفة التي أنتجت الديمقراطية العربية الوحيدة بسلمية وبلا عنف، ومقارنة ذلك مع دول عربية أخرى بعيدة عن الديمقراطية، وأخرى تراوح لسبب أو لآخر في مرحلة التحول لها. لن يجد من يمحصون بالتجربة التونسية ما يفسر نجاحها بالاعتماد على المؤشرات البنيوية الإقتصادية تفضي عادة لتحول سياسي ديمقراطي، ولن يجدوا ضالتهم بفحص تركيبة المجتمع التونسي وبناء طبقاته الاجتماعية. ما يميز تونس عن غيرها بالتحديد هو ثقافة نخبها وانفتاحها على أوروبا الديمقراطية، وتيارها الاسلامي السياسي الذي اتسم وأثبت أنه يريد ويرغب بالاحتكام للعبة الديمقراطية، فهو يقبل التعددية وينبذ الاقصائية، ويدعم قواعد وأركان دولة القانون المدنية، لدرجة أنه تخلى طوعاً عن قدرته للسيطرة السياسية وقبل بمساحة سياسية أقل مما يستحق ثقله، وبذلك فقد ارسل رسائل طمأنة لكل منافسيه الداخليين وأعدائه الخارجيين، وفوت عليهم فرصة استخدام إسلاميتهم كفزاعة