إذا كانت الحكومة مستعدة لتقديم اتفاق بهذه القيمة لنقابة المعلمين، لماذا استهلكنا أربعة أسابيع من المفاوضات على حساب التقويم السنوي للعام الدراسي؟
الموقف التفاوضي للحكومة كان مهزوزا من البداية حتى انتهى لمفاوضات بدون موقف، همها التوصل لاتفاق بأي ثمن
لم يكن الأمر مقدرا قبل الإضراب ولا في أيامه الأولى. التقدير السائد بداية كان يستهين بقدرة المعلمين على الصمود والتماسك لفترة طويلة، وقدر بعض المسؤولين بأن الإضراب سيتفكك في غضون أيام، ولهذا تبنت الحكومة استراتيجية الوقت في إدارة المفاوضات. وعندما أدركت أنها غير مجدية، لجأت إلى التلويح بإجراءات أكثر خشونة، وسخرت كل إمكانياتها لكسر الإضراب في الميدان، لكنها لم تفلح في تحقيق أي اختراقات مهمة. المعلمون حافظوا على وحدتهم والتفافهم حول نقابتهم، واتضح بالملموس عجز الأدوات الحكومية عن إحداث أي فرق في الميدان، مثلما كشفت الأزمة عن فجوة ثقة هائلة بين وزارة التربية وكادرها التعليمي في الميدان. وأظهرت الأزمة كذلك أن سوء إدارة العلاقة مع نقابة المعلمين، من طرف وزارة التربية، حد من قدرة الحكومة على مد جسور الثقة مع المعلمين وممثليهم
استعانت الحكومة بالقضاء لحسم الأزمة، والذي بدوره أصدر قرارا يخدم مصلحة الطلاب، في وقت كانت الحكومة قد أخذت قرارا من طرف واحد بزيادة رواتب المعلمين
عمليا استنفدت الحكومة كل خياراتها، في المقابل تمسكت النقابة بخيار الإضراب المفتوح وبدأت تخطط لتجديده لأسبوع خامس. مصدر قوتها كان التفاف المعلمين حول مطالبها، وعجز الحكومة عن اختراق موقفها
المهلة الأخيرة التي أعطتها النقابة للحكومة قبل تجديد الإضراب مثلت قمة السيطرة للنقابة على مجريات اللعب. الحكومة بدأت تلهث في الملعب لاستدراك الموقف والخروج بأقل الخسائر. وفي مؤشر على قوة الموقف النقابي، انتقلت المفاوضات بشكل كامل إلى مقر النقابة، الذي احتضن الجولتين الحاسمتين، وشهد الإعلان عن اتفاق بفك الإضراب مقابل سلة كبيرة من المكاسب للمعلمين
كانت الحكومة في اليومين الأخيرين مستعدة لتقديم كل التنازلات المطلوبة، للخروج من المأزق، وبينما غاب وزير التربية تماما عن المشهد تولى وزيرا الصناعة والتجارة والشؤون القانونية منفردين المفاوضات مع النقابة، مع خط مرجعي ساخن مع رئيس الوزراء، الذي لم يتردد بإصدار توجيهاته لفريقه المفاوض بالوصول إلى اتفاق مهما كلف الثمن
يمكن القول إن الليلة الأخيرة من المفاوضات شهدت انهيارا تاما لموقف الحكومة، وسيطرة مطلقة لنقابة المعلمين، رغم الخلافات التي ظهرت في أروقة مجلس النقابة، خاصة مع رؤساء الفروع الذين تدافعوا إلى مقر النقابة لضمان اتفاق بلا تنازلات، وهذا ما كان فعلا
لنا أن نقول بأن الأردن خرج رابحا من الأزمة، وأن ما حصل كان تمرينا ديمقراطيا واجتماعيا بامتياز، عكس صورة حضارية لبلادنا وأسس لمرحلة جديدة في العلاقة بين القوى النقابية والاجتماعية من جهة والسلطة التنفيذية من جهة أخرى، لكن في نهاية اليوم، نقابة المعلمين هي من يحق لها فقط الاحتفال بالانتصار.(الغد)