الهوشة.. من صفع من ومن اعتدى على من؟

..كان الأردن أشهى بكثير،كان مقسما بين قومي وإسلامي ووطني، لم يكن هناك (ديجتال) والليبرالية كانت مفقودة تماما مثل (المارلبورو) المهرب..تجده فقط في أكشاك جبل عمان.

الأردن كان أشهى بكثير، وكانت سيارة المرسيدس (اللف) تحظى بمكانة إجتماعية مرموقة، وقد أدخلنا عليها بعض الإضافات الني نسيها الصانع الألماني..مثل (صندل) على المقدمة، وجاعد تحت كرسي السائق...الشوارب أيضا كانت مهمة ومن النادر أن تجد رجلا تخلص منها، فالحلاق يمضي وقتا طويلا في حفها..

ونحن بالرغم من صغر السن كنا كبارا، كان من العيب أن تجد طالبا في دفعتي الجامعية لايعمل بعد المحاضرات..كان من العار أن اطلع صديقي على رسائل ليلى التي كتبتها لي...وخلف كل كلمة ألف دمعة اشتياق وحب..وكنا نختار مكانا بعيدا جدا كي نتقابل، كي لا ترانا عيون أبناء العمومة..ثم نمضي على عجل، وتتبعنا الأشجار.... السرو غار من عشقي لليلى.

منذ يومين وأنا كلما فتحت الفيس بوك أو تويتر...تداهمني قصة (هوشة)، الأردن لم يصغر لكن اهتماماتنا صغرت.... إلى الحد الذي تركنا فيه القضايا الكبيرة وانشغلنا (بالهوشات)... من صفع من ومن اعتدى على من؟...للعلم حين كنا نسمع بمشاجرة نخجل من سرد أسبابها...لأن الأمر لايعنينا أبدا...

هنالك انهيار غريب في الإهتمامات، فالمجتمع لم يعد يهتم...بفيروز كما كان يهتم جيلنا...والمجتمع أيضا لم يعد يهتم بحالات الوعي التي تشكلت لدى طلبة كلية الاداب في الجامعة الأردنية، وخرج منهم شابا يافعا يجيد كتابة القصيدة على البحر الوافر....والمجتمع لم يعد يهتم أيضا...بمخبز افتتح في الزاوية البعيدة، وقرر أن يبيع (خبز الطابون).....حتى الموت في زمننا كان له هيبة، فالذين يموتون...كنا نمضي شهرا كاملا في الترحم عليهم وزيارة أهلهم...

الخلل ليس في «هوشات» حدثت، ولكن الخلل يكمن في اهتمام المجتمع بهذه الهوشات...على حساب الخبز والنفس القومي، على حساب الرفض والعروبة..على حساب الوعي..على حساب الوقوف في وجه الأزمات، على حساب شعب اختلفت اهتماماته جميعنا اهتممنا (بالهوشات)..لكن أحدا لم ينظر إلى ضحالة اهتماماتنا...

قلت....حين كنت أقابل ليلى تحت شجرة السرو ومن ثم أمضي، كان السرو يتبعني..وكأنه يحاول أن يتعلم درسا في العشق مني...الان صار السرو يخجل منا..

الأردن لم يصغر..لكننا نحن الذين صغرنا إلى الحد الذي صارت فيه (الهوشات)..أهم من بناء المستقبل.

Abdelhadi18@yahoo.com

الرأي