من يقصد عبدالهادي راجي المجالي

.. كنت اشاهد المسيرات التي تندلع، زمن الربيع العربي.. لم تكن محصورة في مكان محدد، بل كانت تتنوع.. تارة في ساحة النخيل وتارة في الرابع، ويوم الجمعة تنطلق من أمام المسجد الحسيني.. وأحيانا في الأحياء، كانت تعجبني إلى الحد الذي أستطيع أن أؤسس منهجا فيها يسمى (المدخل إلى سلوك المسيرات).
كان يلفت انتباهي حضور أحدهم جميع المسيرات، في كل مسيرة كنت أشاهده...
هو شاب في مقتبل العمر، يرتدي دشداشة بيضا، (وحفاية) بلاستيك.. ويحمل موبايله بيده، ويمشي مع الناس.. مظاهر الفرح كانت تغمر وجهه، ولكنك لا تعرف من أين أتى وإلى أين سيذهب بعد أن تنتهي المسيرة...
وهو بالمناسبة كثيرا ما يطلق عبارات متعلقة بالشرطة، عبارات ودية من شاكلة: (الشرطة اخوانا وأهلنا).. لكن أحدا لا يعيره اهتماما.. يبتسم دون سبب، ثم يهتف ثم يعبس، المهم أن جميع جيوبه ممتلئة، ويحمل (كيس فول أخضر).. من أين أتى به لاتعرف، الغريب أن (الكيس) يرافقه في كل المسيرات، ولكنه يتنوع ففي بعض المرات يحمل كيس بطاطا، وفي بعض المرات فول.. وأحيانا يحمل بندورة.
أثناء المسيرة ينزوي بعيدا، ويجري مكالمة.. يشعرك أنها مع مرجعيات عليا طبعا، ثم يعود على الفور للمسيرة، ويحاول أن ينتج بعض الأحاديث الودية.. مع المشاركين لكن أحدا لا يعيره أي اهتمام... وفي لحظة- وهذه الملاحظة تكررت في أكثر من مسيرة - ينحرف عن الجموع ويقف تحت شجرة، ثم يقوم (بتركيب) إصبع (الحفاية) عبر (سلك) موجود في الجيب الأيمن ومحفوظ لهذه الغاية..وحالما ينتهي من عملية (الشبك) يعود فورا للمسيرة...
بالطبع يمضي معظم وقته في البحث عن (ولعة)، ويحاول أن ينتج حديثا وديا مع كل واحد يمنحه (القداحة)..ولكنه في النهاية يمضي حين يشعر بهذا الكم الهائل من (التطنيش) له... بعد ذلك يخرج ورقة، ويدون ملاحظات تحت شجرة، من أجل أن يشعر من هم في المسيرة، أنه يمتلك حسا بحثيا وتحليلا..أو أنه (مصدر) ومع ذلك لا أحد يعيره الإهتمام...
في نهاية المسيرة يحدث صدام مع الأمن وتنطلق الغازات المسيلة، ويبدأ الناس بالركض... هو طبعا يحاول (التوفيق) ويعتقد أن الأمن ونتيجة للدشداشة وكيس الفول الذي يحمله، سيتعامل معه (بحنية).. ويبدأ بتوجيه حديثه للأمن طالبا منهم التروي.. وينغمس في لحظة بينهم... لكنك نتيجة الحشود وضبابية الرؤية تلمح كتلة بيضاء طائرة في الجو نتيجة (شلوت) هائل...وتتمعن وتكتشف أنه (ابو دشداشة)..
تنتهي المسيرة، وتجد بعد كل هذه الفوضى (كيس الفول) منثورا على الأرض.. لكن (ابو دشداشة بيضاء) لا تشاهده، هرب وترك (كيس الفول)....
منذ الربيع العربي (وأبو دشداشة) حاضرا في كل مسيرة، ويترك بصمته وتوقيعه..على الأرض... وأنا بطبعي أبدأ بالبحث عنه في المسيرات التالية، حتى أعرف ماذا ترك (الشلوت) من أثر...
أين أنت يا أبو دشداشة؟
Abdelhadi18@yahoo.com

الرأي