عيال الله وعيال الشيطان..!

مدار الساعة ـ نشر في 2019/09/27 الساعة 01:56
يدعو مولانا باستمرار: اللهم انصر الاسلام والمسلمين، وأهلك الكفرة والمشركين، ونحن نردد خلفه :آمين...آمين، الدعوة الى النصر مفهومة، لكن ماذا لو استجاب الله دعاء مولانا ولم يبق في الارض إلا المسلمون...ومن أعطاه هذا ( الفرمان) الديني ليطلب (الهلاك) لهؤلاء الذين كرمهم الله لمجرد (إنسانيتهم) أو آدميتهم، هل هدايتهم وحسابهم مرتبط بنا أم بخالقهم الذي ظل الكفر واقع بمشيئته تعالى، ثم ماذا سيخسر لو دعا لهم ( بالهداية) بدل الهلاك؟!
يدعو مولانا ايضا : اللهم انصر المجاهدين، ثم يعدد كل ما يخطر على بالك من بلداننا التي اشتعلت فيها الحروب، لا أحد يعرف - بالطبع- أي صنف من المجاهدين يقصد، ولا فيما اذا كان هذا الذي نراه جهادا أم أن له اسما آخر، لكننا ونحن نتعبد بصمتنا لا نستطيع أن نسأله، أو أننا ربما نثق بما يخبئه مولانا في صدره، فنردد وراءه على الفور: آمين...آمين.
دعاء مولانا يدفعني دائما الى اكتشاف المزيد من جراحات (ذاتنا) المسلمة التي تبدع في الدعاء ولا تتقن العمل، وتستبد في الخصومة ولا ترغب في المصالحة، وتريد أن تنتقم من الآخرين بدل أن تبذل ما بوسعها لكي تصلحهم، وترشدهم الى الصواب.
مولانا يتصور أننا نحن المسلمين دائما على حق، وغيرنا على خطأ، نستحق النصر وهم يستحقون الهزيمة، نحن عيال الله الذين يحبهم وهم عياله لكنه تعالى لا يحبهم كلهم، حتى لو كان منهم من هو أعدل منا وأقرب اليه بالعمل لا بمجرد الانتساب والكلام، اوكأنهم عيال الشيطان، لم يخطر في ذهنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام (الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله).
مولانا يفهم الدين على أنه (سياسة) فيواجه خصومه بالدعاء عليهم، ويتقرب الى جمهوره بما يلزم من تطمينات بالنصر، وأدعية للثبات، ويفهم (الدين) على انه إخبار وإعلام فقط، فيبسط في شرحه وتوضيح روايته،ولا يتذكر بأن هدف الدين ليس تبليغ المعلوم وانما الحث على الاعتبار بهذا المعلوم، حيث لا معنى للدين بمعزل عن (الاخلاق) التي نستدل بها عليه، وهي لا تتعلق بنا -كمسلمين فقط- وانما بكل (انسان) خلقه الله ليتحمل (الأمانة في الارض)، ومهمتنا ليست الدعاء عليه وانما تذكيره بشهادته على وحدانية الخالق بما ينسجم مع فطرته.
مولانا - سامحه الله- يفهم ان وظيفة الدين هي حشر الناس في الدنيا لتصنيفهم ومحاسبتهم، و»التعبد» بالدعاء على الاشرار منهم، والتسيد على المنبر لانزال الاحكام عليهم، وكأن (الدين) هنا سلطة، تفرض بالقهر، أو كأنه (قانون) مهمته الفصل بين المتخاصمين، فيما وظيفة الدين الحقيقية هي (التزكية) و الهداية،وفيما العبودية الصحيحة لا يمكن ان تكون الا ( بالاخلاق) أو أنها هي الاخلاق التي يتحلى بها الانسان وتؤهله بالتالي للانتساب الى هوية (بني البشر) حيث التحضر -لا التدين وحده- هو المقياس، وحيث (التخلق) المتعلق بالخلق، كل الخلق (بفتح الخاء، وتسكين اللام) هو الدليل على الايمان.
مولانا - يحرضنا على (الجهاد) لكنه لا يفكر أن يسبقنا اليه، ولايسمح لاولاده أن يخرجوا حتى للشارع، مولانا يدعو على الظالمين والمفسدين ويسأل الله أن يحفظ ولاة أمر المسلمين، مولانا يذكرنا بأن الاسلام دين رحمة وبأن رسولنا هو المبعوث رحمة للعالمين ثم يختم دعاءه : اللهم عليك بأعداء الدين، مزّقهم كل ممزق يا رب العالمين.
خطبة واحدة تكفي لكي نعرف كيف تحول (الدين) في حياتنا الى مجرد دعاء لا يستجاب له، وخطاب يستفز الآخرين بدل أن يطمئنهم، وروايات نرددها لا تدخل الى قلوبنا، وآيات نحفظها دون أن تغير في سلوكنا...
يا سادة الدين آية وليس رواية، الدين مؤسسة وليس نظرية...الدين للعالمين وليس للمسلمين..الدين أخلاق وليس مجرد قوانين وأحكام وبيانات سياسية!!.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/09/27 الساعة 01:56