يصعب العثور على الناس الطيبين
مدار الساعة ـ نشر في 2019/09/12 الساعة 02:03
الدنيا بخير، ولا زال الطيبون يمشون على ظهر الأرض، مع أنه من الصعب والعسير العثور عليهم، لكننا لن نجد زمانا يخلو منهم، وفي حياة كل واحد منّا أثر لهؤلاء الناس يذكره لهم، ويتذكرهم بسببه، كما أن للناس غير الطيبين آثارا وعلامات كثيرة في حياتنا، فلكل إنسان بصمة تعبّر عنه، يترك أثرها في الآخرين.
أتذكر عندما قدّمت أوراقي للدراسة في الأزهر الشريف، طلب مني تزكية من السفارة الأردنية بالقاهرة تقدّم للشؤون العربية برئاسة الجمهورية، فذهبت إلى مكتب المستشار الثقافي الأردني بالقاهرة، ووجدت رجلا طيبا يعرف بأبي كريم وأتذكر أنه من عائلة (الصمادي) المحترمة وقد تبادلنا الحديث عن إربد وأشواقه لها، ثم ذكر لي أنه ليس من اختصاصهم منحي أية تزكية، كما أنه ليس من صلاحياتهم مخاطبة رئاسة الجمهورية، فأصابني الإحباط، وشعرت بالهزيمة، وما هي إلا دقائق حتى دخل علينا المستشار الثقافي وهي الدكتورة الفاضلة عهود الحباشنة، فقالت: ماذا يريد الشيخ؟ فأخبرها أبو كريم مؤكّدا على عدم جواز اصدار خطابات مثل هذه. فقالت له: يا أبا كريم هذا الشيخ ولدنا، وعلينا أن نساعده، وما هي إلا ورقة إن لم تنفعه فإنها لن تضرّنا، اكتب له ما يشاء وأنا أوقع. فأخذتُ الورقة، وتم قبولي بجامعة الأزهر الشريف، ولازلت أحمل في قلبي كل الاحترام والعرفان لهذه الإنسانة الطيبة، ولم أنس مساعدتها لي.
عندما ركبت (العبّارة) في رحلتي الأولى إلى القاهرة، كنت خائفا بسبب الصورة الذهنية التي رسمت في عقولنا عن حوادث النشل والسرقة والعنف في مصر، فرآني شاب أردني نسيت اسمه، فقال لي: أنت خائف؟ فقلت: نعم إنها الزيارة الأولى، فقال: لا تخف، كل ما شاهدته غير صحيح ومبالغ فيه جدا، أنا من سنوات أعيش في القاهرة، وهي بلد آمن، لكن عليك بتذكّر هذين المثلين المصريين، واجعلهما لك قاعدتين في حياتك هناك، الأول: (حرّص ولا تخوّن) أي كن حريصا لا تتهم أحدا، والثاني: (يا جاي مصر، في منك كتير) أي عليك أن تتواضع ففي مصر من هم مثلك وأحسن منك. وبالفعل عملت بنصيحة هذا الأخ الفاضل وعشت بالقاهرة أجمل أيام حياتي، ولهذا الإنسان الفاضل ذكراه الجميلة في قلبي ووجداني، ولا أنسى نصيحته الذهبية التي أثرت فيّ.
ما أجملَ أن نكون من الناس الطيبين، الذين يتركون بصمة طيبة في حياة الآخرين، نعبّر عن طيبتنا، ونقضي للناس حوائجهم!
الدستور
أتذكر عندما قدّمت أوراقي للدراسة في الأزهر الشريف، طلب مني تزكية من السفارة الأردنية بالقاهرة تقدّم للشؤون العربية برئاسة الجمهورية، فذهبت إلى مكتب المستشار الثقافي الأردني بالقاهرة، ووجدت رجلا طيبا يعرف بأبي كريم وأتذكر أنه من عائلة (الصمادي) المحترمة وقد تبادلنا الحديث عن إربد وأشواقه لها، ثم ذكر لي أنه ليس من اختصاصهم منحي أية تزكية، كما أنه ليس من صلاحياتهم مخاطبة رئاسة الجمهورية، فأصابني الإحباط، وشعرت بالهزيمة، وما هي إلا دقائق حتى دخل علينا المستشار الثقافي وهي الدكتورة الفاضلة عهود الحباشنة، فقالت: ماذا يريد الشيخ؟ فأخبرها أبو كريم مؤكّدا على عدم جواز اصدار خطابات مثل هذه. فقالت له: يا أبا كريم هذا الشيخ ولدنا، وعلينا أن نساعده، وما هي إلا ورقة إن لم تنفعه فإنها لن تضرّنا، اكتب له ما يشاء وأنا أوقع. فأخذتُ الورقة، وتم قبولي بجامعة الأزهر الشريف، ولازلت أحمل في قلبي كل الاحترام والعرفان لهذه الإنسانة الطيبة، ولم أنس مساعدتها لي.
عندما ركبت (العبّارة) في رحلتي الأولى إلى القاهرة، كنت خائفا بسبب الصورة الذهنية التي رسمت في عقولنا عن حوادث النشل والسرقة والعنف في مصر، فرآني شاب أردني نسيت اسمه، فقال لي: أنت خائف؟ فقلت: نعم إنها الزيارة الأولى، فقال: لا تخف، كل ما شاهدته غير صحيح ومبالغ فيه جدا، أنا من سنوات أعيش في القاهرة، وهي بلد آمن، لكن عليك بتذكّر هذين المثلين المصريين، واجعلهما لك قاعدتين في حياتك هناك، الأول: (حرّص ولا تخوّن) أي كن حريصا لا تتهم أحدا، والثاني: (يا جاي مصر، في منك كتير) أي عليك أن تتواضع ففي مصر من هم مثلك وأحسن منك. وبالفعل عملت بنصيحة هذا الأخ الفاضل وعشت بالقاهرة أجمل أيام حياتي، ولهذا الإنسان الفاضل ذكراه الجميلة في قلبي ووجداني، ولا أنسى نصيحته الذهبية التي أثرت فيّ.
ما أجملَ أن نكون من الناس الطيبين، الذين يتركون بصمة طيبة في حياة الآخرين، نعبّر عن طيبتنا، ونقضي للناس حوائجهم!
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/09/12 الساعة 02:03