التربية قبل التعليم أيها المعلمون.. ما قصة الافانتي
مدار الساعة - بقلم: صفاء الحصان
عندما نتحدث عن المعلمين فإننا نتحدث عن خاصرة الوطن، وعن أكبر شريحة وقطاع مهني غاية في الحساسية، فهم يؤسسون لقاعدة أكبر وهم الطلبة في تعليمهم وتقويم تربيتهم وتوجيههم نحو نموذج أفضل.
عندما أعلن المعلمون عن اعتصامهم الذي سيكون الخميس لم نخف للحظة على الوطن من احتكاك أو توتر، لأنه في عهدة من ربوا أجيالاً فيه وخرجوا قادة في الطب والهندسة والعسكرية، فهم اباؤنا وأمهاتنا إخواننا وأخواتنا الذي بهم نحارب لمستقبلٍ أفضل، هم الرهان الأخير لنهضة الأردن، هم الأمل الذي عليه نعتمد لتهيئة ابنائنا لمستقبل غامض مخيف ينتظرهم في وسط كل الظروف التي تحيط بنا، هم نموذج التربية التي نشير إليه بالبنان ليقتدي بهم النشيء وهم نموذج الحضارة التي ننشد أن نقيمها وهم مثال العلم والتربية.
نادى معلمونا طويلاً بالتربية قبل التعليم ولكنني وللأسف أقولها وبألم بالغ أنكم أولى اليوم بها من ابنائنا، نعم.. بعض المعلمين ممن شاهدنا أخلاقهم أولى بالتربية من الطلبة الذين يدرسونهم، فكيف بهذه الأخلاق التي رأينا وهذه المقاطع المأساوية التي شاهدنا وما سمعناه وما تم تداوله أن يكون أخلاق معلمين!
هل يعقل أن يقف من يظن نفسه معلماً يصرخ مستهزئاً بالجندي الدركي الثابت في واجبه القائم عند حدود الوطن الساهر على ثغراته يحمي عرضك وأهلك لتسيء له أمام الكاميرات بحجة انك معلم؟ بل أنت "معلم" بلغة الشارع التي يتداولها الصبية.
أهذا هو النموذج الذي تقدمه لطلبتك؟ أهذا هو من يربي ابنائي؟ ويقف أمامهم يومياً ليزرع فيهم حب الوطن.
أيعيب العسكري الثابت أنه لا يشتكي ولا يساوم مثلك على قرش ودينار وعلى "امتيازات وعلاوات" ولا يلوي ذراع الوطن بأهمية موقعه ليساوم على المزيد كلما طاب له فعل ذلك؟
لقد كان العسكري الذي دعوته بـ"الشين" أستاذاً لك في هذا الموقف، حين سجلت أخلاقه نبلاً وسمواً أعلى من النزول عند انحطاط هذا التجريح وقبيح الأفعال ليرد عليك بصمته أنك أنت "الشين" وأفعالك مشينة ومن شد على يدك.
ماذا عن من صفقوا له سعيدين بما يهرف؟ أهم من معلمي ابنائنا؟ يقولون "الله حييك" فتأخذة العزة بالأثم ليكمل "أنا بقول الصح ومش خايف من حدا" !! لا تستغرب إذاً أخلاق ابنائك الطلبة حين يتطاولون عليك ولا يخافون مقامك العالي!! فأنت قدوتهم في ذلك و"مدرستهم في التعليم".
حين سمعنا بهذه القصة على مواقع التواصل تبادر لذهني أنها أحدى النكات السمجة التي يتندر بها الناس في كل أزمة وبين موقف وآخر، وكانت الصدمة أنها حقيقية من "معلم" حقيقي لا يعلم ماذا يقدم الجند لوطنهم أكثر منه بكثير.
نعم ابنائنا من عسكر هذا الوطن مقامهم أعلى وأسمى من مساومات تنادون بها بين الحين والآخر، لا يقايضون مهامهم الجليلة بمقابل ولا يبخلون بدمائهم من أجل أن ينام الوطن قرير العين، يقدمون الشهيد منهم برأس مرفوع بأن هذه المهام الكبار تليق بنا والتضحية والجندية خُلقت لنا.
لم يعبث الدركي بمستقبل ابني، وفعلت أنت إذ أنك لا ترى من مهنتك إلا ما تدره عليك من دخل شهري، وحين لم ترضَ به قطعت عليه فرحته بالعودة لمقاعد الدراسة بإضراب منعه من مواصلة ما جاء لأجله، تعيّر الدركي بتعليمه ولا يعيبه ذلك فقد اختار لنفسه ما وجد أنه يُحسن فعله، حمايةُ الأرض وصون العرض في العسكرية، وقد كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أميّاً ولم ينقصه ذلك ليكون نبياً، فماذا تجيد أنت؟ لم تجد سوى زرع الصور المشوهةِ وتغييرِ الحقائق في ذهن طلابك الذين سيسألونك الاسبوع المقبل: استاذ ليش حكيت هيك؟ وربما تكون قد آذيتهم في آبائهم.
معلم آخر يصرخ في محيط الدوار الرابع "المدرسة عندي مش مضب لولادك" يقولها بالحرف موجهاً الحديث للأهالي الذين أبدوا استنكارهم عبر مواقع التواصل من إضراب المعلمين فور بدء العام الدراسي، فما كان منه إلا توجيه الإهانات والاتهام للأهالي بأنهم يرسلون ابنائهم لغاية غير العلم، ربما التخلص منهم وهذا لأنه لا يُحسن ربما تقديم محتوى مفيد لابنائنا.
نطالب وزير التربية والتعليم بعد هذا الذي رأينا بأن يقوم فوراً دون تردد بغربلة سلك التربية والتعليم ممن وجد أنهم لا يقدمون رسالةً ولا يربون جيلاً ولا يسهمون في نهضة الوطن، فكم من صورة ذهنية مشوهة قد زرعوا في أذهان ابنائنا وكم من رسالة مغلوطة غرسوا فيهم، مملوءة بحقدٍ وإساءة أدب.
نفهم مطالب المعلمين فهم جزء كبير منا ونحن منهم، ونعرف كلنا كأردنيين دقة الظرف الاقتصادي الذي نمر فيه، ولكن علينا أن لا ننسى أن ذراع الوطن لا تُلوى وثوابته لا تُمس، بعد هذا الدرس إن فهمه المعلمون فليقدموا بصورةٍ حضارية مطالبهم دون المساس بمصلحة ابنائنا ونحن معهم.