في قضية «ضمان» النواب

مدار الساعة ـ نشر في 2019/09/04 الساعة 01:36
مجلس النواب هو الخاسر تماما فيما يدور حول قانون الضمان وشمول أعضاء مجلس الأمة تحت مظلته لأسباب ثلاثة واضحة.
أول هذه الأسباب هو مخالفة البند الذي أضافه مجلس النواب للدستور من ناحيتين هما عدم جواز تشريعه لنفسه وثانيهما عدم جواز اضافة بند جديد على قانون معدل، كما افتاه الدستور وقرار المجلس العالي لتفسير الدستور وتحدث به خبراء الفقه الدستوري والمشرعون المخضرمون في مجلس النواب.
السبب الثاني في هذه الخسارة هو حجم السخط الشعبي على مجالس النواب وأدائها، وليس المجلس الحالي فقط، لظروف تاريخية يصعب سردها تفصيلا في هذا المقام.
أما السبب الثالث والأهم هو عدم وجود ارادة بمنح النواب أي نوع من الحماية الاجتماعية، وذلك كان واضحا في مراحل مناقشة قانون التقاعد المدني الذي انتهى بقرار نهائي حسمته المحكمة الدستورية بعدم جواز منح رواتب تقاعدية لأعضاء مجلس الأمة بصفتهم ليسوا موظفين عامين ويتقاضون مكافآت وليس رواتبا.
ونقاش هاديء لهذه القضية يمكن أن يوصلنا الى نتيجة دون التمترس رسميا وشعبيا خلف مواقف مسبقة لا ينظر فيها الى المصلحة العامة بل أن كل طرف يحاول أن يوظف تفاصيلها لتأكيد رأيه وقناعاته ومواقفه المسبقة.
في هذا النقاش، دعونا نتفق على أن الأردنيين متساوون في الحقوق والواجبات، ويحق لكل منهم تأمين حياته وأسرته بما يتفق مع القانون ولا يجوز معاقبته على سعيه لتطوير نفسه، ولا يجوز وضع أي عقبة أمامه للمشاركة في الحياة السياسية، ،من أجل ذلك نجد أنفسنا مضطرين لتقسيم أعضاء مجلس الأمة والنواب تحديدا الى شرائح اجتماعية قبل الوصول الى النتيجة المبتغاة.
أعضاء مجلس النواب يقسمون الى ثلاث شرائح، شخصيات مقتدرة ماليا وهي غير معنية بهذا الجانب، ،شخصيات أخرى حصلت على راتب تقاعدي قبل الفتوى بعدم جوازه، أم الفئة الثالثة فهي من المتقاعدين مدنيا وعسكريا برواتب ضعيفة أو ليس لها أي مصدر دخل ثابت، وعند الخروج من حالة تعميم «السخط الشعبي» على مجلس النواب سنرى أن هناك أعضاء من مجلس النواب سيكونون عرضة للحاجة والفاقة فور خروجهم من تحت القبة.
الاستمرار في هذه الحالة غير الصحية، سيؤثر سلبا في الحياة السياسة، ولن يشجع بل سيعيق كثيرا من فئة الشباب على خوض الاننخابات النيابية، لانه لن يغامر برزق أطفاله بعد أربع سنوات، وهذه الفئة هي التي نحتاج الى تشجيعها وهي بالأغلب تكون قد قضت سنوات كثيرة في الخضوع للضمان الاجتماعي، ويحق لها تماما تحسين أوضاعها مثل أي اردني، ولكل وظيفة امتيازاتها لكن بالضرورة ليس على حساب الناس، وهو ما سنوضحه في النهاية.
موقف الرأي العام من هذه القضية مفهوم ويحترم وله أسباب تاريخية كثيرة، لكن هذا الموقف يجب أن لا يثني الارادة السياسية عن اعادة دراسة الحالة بشكل منطقي يضمن من جهة الاستجابة للموقف الشعبي وضمان حق كل اردني بالحصول على الحماية الاجتماعية ومنهم الأعيان والنواب.
يمكن طي هذا الملف بالآتي:
أولا: الإضافة النيابية على قانون الضمان الاجتماعي غير دستورية، وبالتالي يجب ردها، لان القانون سيتم وقفه في مراحل الدستورية القادمة أو اللجوء الى المحكمة الدستورية مرة أخرى، لكن حول راتب الضمان وليس التقاعد.
ثانيا: بما أن الموقف الحكومي وكما هو ظاهر حاليا، مؤيد لفكرة انتساب أعضاء مجلس الأمة للضمان الاجتماعي وأن الارادة السياسة تجتمع مع هذا الأمر، فإن عليها في أقرب وقت احالة تعديل جديد على القانون ، بجواز هذا الأمر، على أن لا يطبق على الأعضاء الحاليين.
ثالثا: يجب أن يكون اقتطاع مبلغ الاشتراك الشهري كاملا من مكافآت الأعضاء، وأن لا يتحمل مجلس الأمة أي مبلغ من موازنة المجلس.
وهنا يبرز سؤال حول جدوى التعديل في ظل وجود اشتراك اختياري في الضمان الاجتماعي لجميع الاردنيين وبإمكان أي نائب أو عين الانتساب بشكل شخصي، لكن الأمر يختلف، ففي حالة التعديل يتم احتساب قيمة الضمان والاقتطاع وفقا لمكافأة العضو، أما في حالة عدم وجود تعديل قانوني خاص بأعضاء مجلس الأمة، فإن العضو المشترك اختياريا سيدفع وفقا لآخر راتب تقاضاه قبل أن يصبح عضوا، وهو ما يتناقض مع الوضع الطبيعي بأحقية كل اردني أن يبحث عن تطوير ذاته ودخله خاصة وأن لوظيفته الجديدة تبعات مالية قبل وبعد مغادرته القبة.
هذه الصيغة قد تكون كافية لإنهاء الجدل حول القضية واقفالها نهائيا، لكن استمرار الحالة كما هي الآن سيساعد أكثر في اضعاف السلطة التشريعية، لإن أحدا من الشباب مستقبلا لن يتصدى لهذه المهمة، وستبقى الوجوه تتكرر لا أكثر.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/09/04 الساعة 01:36