دراسة عن ’التحرش‘ في الأردن.. ماذا قالت؟
مدار الساعة - أظهرت دراسة "ظاهرة التحرش في الأردن 2017" والتي أعلنت عن نتائجها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة بتاريخ 25/11/2018، بأن 12% من عينة الدراسة لا يمكنهم التمييز ما بين التحرش والمجاملة، و 4% منهم لا يعرفون كيف يمكن التمييز ما بين الأمرين، فيما أكد 84% منهم على أن لديهم القدرة والمعرفة الكاملة التي تمكنهم من التمييز ما بين التحرش والمجاملة.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" الى أن الدراسة أكدت على "إشتراك العديد من الأفعال والسوكيات ما بين التحرش الجنسي والمجاملة، ويصعب في كثير من الأحيان على كل من الطرفين معرفة ما هو التحرش الجنسي وما يقع في إطار المجاملة أو الإطراء والمديح، إلا أن هنالك فرقاً رئيسياً يبدو واضحاً لكلا الطرفين، ويعتمد أساساً للتفريق بين التحرش والمجاملة، ألا وهو النية أو القصد، فإذا صدرت هذه الأفعال أو السلوكيات من شخص أراد حقاً تقدير شخص آخر ومدحه، فإن ذلك يقع في إطار المجاملة التي عادة ما تكون ضمن أدوات التواصل لبناء الثقة. ومع ذلك فإن هنالك أفعالاً وسلوكيات مجاملة لا يرغب الطرف الآخر في سماعها أو حدوثها."
ووجدت كاتبة أمريكية ستة فروقات أساسية ما بين التحرش الجنسي والمجاملة وهي أن المجاملة تصدر في العادة لأشخاص مقربين منا وتنبع من الإحترام، كما لا تعني المجاملة توقع رد فعل أو تصرف من الطرف الآخر، وهو أمر ترغب في سماعه، وترغب بأن يسمعه من تحبهم، وتبني المجاملة علاقات الثقة وتشعر الطرف الآخر بالأمان، كما أنها تقابل دائماً بالترحاب والإرتياح.
وتضيف "تضامن" بأن نتائج الدراسة بينت أن ثلاثة أفراد من كل أربعة ضمن العينه قد تعرضوا لمرة واحدة على الأقل لأحد أشكال التحرش الجنسي، وهي نتائج تنذر بخطورة المرحلة التي وصلت اليها هذه الظاهرة والتي بكل تأكيد تنعكس سلباً على المجتمع وتساهم بإزياد الجرائم الجنسية الأكثر خطورة كهتك العرض والإغتصاب، وهو أيضاُ ما أظهرته أرقام التقرير الإحصائي السنوي لعام 2018 والصادر عن إدارة المعلومات الجنائية.
التحرش في أماكن العمل والمؤسسات التعليمية والأماكن العامة
يعتبر السلوك "غير المرغوب فيه" ذو الطابع الجنسي أحد أهم العناصر التي تشترك فيها التعريفات المختلفة لمصطلح "التحرش الجنسي"، ويميزه عن باقي الأفعال والتصرفات. إلا أن السلوك "غير المرغوب فيه" لا يعني بالضرورة السلوك "غير الطوعي"، لذا فإن السلوك "غير المرغوب فيه" هو كذلك طالما اعتبر الشخص الذي تعرض له أنه سلوك غير مرحب به
وقد عرّف مشروع الحماية الذي نفذته جامعة جون هوبكنز التحرش الجنسي في مكان العمل على أنه “القيام بإيحاءات جنسية غير مرحب بها تؤدي إلى بيئة عمل عدائية أو عندما يعتبر الطرف الذي يتلقى هذه الإيحاءات الجنسية أنها منافية للأخلاق أو أن رفضها سينعكس سلباً أو قد يُعتبر أنه سينعكس سلباً على ظروف العمل الحالية أو المحتملة”.
أما التحرش الجنسي في مؤسسة تعليمية فيعّرف على أنه "القيام بإيحاءات جنسية غير مرغوبة إتجاه طالب / طالبة أو جعل تقديم المعروف الجنسي يبدو كشرط لتحقيق ظروف تعليمية مؤاتية أو لخلق بيئة تعليمية عدائية".
والتحرش الجنسي في الشوارع والأماكن العامة هو "القيام بإيحاءات جنسية غير مرغوبة اللفظية منها والجسدية من قبل أشخاص غير معروفين بطريقة مهينة ومؤذية ومخيفة". وينتشر هذا النوع من التحرش في الأماكن المزدحمة كالباصات والقطارات والتجمعات، وفي الأماكن الخالية من المارة أو المظلمة. وتتعدد أشكاله كالملاحقة واللمس والنظرة الفاحصة وإستخدام الإشارات والتلفظ بكلمات بذيئة والتصفير..
القوة النابعة من السلطة أحد الأسباب الجذرية التي قد تؤدي للتحرش الجنسي
وأضافت الدراسة بأن "الإختلال في موازين القوى بين الذكور والإناث، والذي قد ينتج عنه إستغلال بعض الأفراد للسلطة الممنوحة لهم، سواء أكانت سلطة شرعية أم سلطة قانونية، يعتبر أحد الأسباب الجذرية التي قد تؤدي للتحرش الجنسي. وقد تنبه المشرع الأردني لهذه العلاقة، وضاعف العقوبة على جريمتي المداعبة والفعل المنافي للحياء إذا ارتكبت من قبل الأصول أو المحارم أو الوكلاء بالتربية أو من لهم سلطة شرعية أو قانونية على المجني عليهم، أو في حال كان المجني عليه ذكراً أم أنثى لا يستطيع المقاومة بسبب عجز جسدي أو نقص نفسي أو استعمل معه أسلوب الخداع."
"تضامن" تدعو الى إنشاء نظام إنذار مبكر شامل لظاهرة التحرش الجنسي
إن "تضامن" وهي معنية كمؤسسة مجتمع مدني وبمشاركة كافة الجهات ذات العلاقة، بإيجاد الحلول العملية والواقعية لكافة الظواهر الاجتماعية السلبية والتي تؤثر بشكل خاص على النساء والفتيات والأطفال من الجنسين، وتحرمهم من التمتع بحقوقهم الأساسية، تقترح إنشاء نظام مبكر شامل لظاهرة التحرش الجنسي والجرائم الجنسية الأخرى الأشد خطورة.
ويهدف نظام الإنذار المبكر بإعتباره أحد أدوات مواجهة "الظواهر الاجتماعية السلبية" بما تسببه من إخلال بالأمن الاجتماعي والأسري، الى تزويد صانعي القرار وواضعي الاستراتيجيات والبرامج والتدخلات بالمعلومات والمعطيات التي تنذر بإرتفاع إحتمالية حدوث أو وقوع فعلي لحالات تحرش جنسي أو أي جرائم جنسية أخرى في أماكن معينة و/أو في أوقات معينة، والإجراءات الواجب إتخاذها لمنع حدوثها ومعالجة آثارها.
وتضيف "تضامن" بأن توفير معلومات دقيقة ومفصلة حول الشكاوى الواردة من ضحايا التحرش الجنسي وتحليلها ومتابعتها الى جانب السير بإجراءاتها القانونية، هي من أهم خطوات تأسيس نظام الإنذار المبكر. فبموجب هذه المعلوات يمكن بناء استراتيجيات فعالة وإتخاذ قرارات قائمة على المعرفة وتنفيذ برامج موجهة الى الفئات الأكثر تأثراً بها سواء أكانوا ضحايا أم جناة.
يشار الى أن المعلومات والأرقام المتوفرة حول التحرش الجنسي ضعيفة ومتواضعة لأسباب متعددة ومن أهمها ضعف التوعية القانونية للضحايا المحتماين من الجنسين، وتردد الضحايا في الإبلاغ وتقديم الشكاوى خوفاً على السمعة، وعدم وجود ضابطة عدلية من النساء لإستقبال الشكاوى، والإجراءات القضائية الطويلة والتي تتطلب حضور الضحايا وتكرار الأقوال أمام جهات قانونية وأمنية وقضائية مختلفة، وعدم تشجيع أفراد الأسرة لتقديم هكذا شكاوى، إضافة الى التسامح المجتمعي مع مرتكبي التحرش الجنسي بشكل خاص.
كما أن من توصيات دراسة "ظاهرة التحرش في الأردن" ضرورة إستخدام التكنولوجيا الحديثة لمواجهة التحرش الجنسي، ومساعدة الضحايا على الإبلاغ، هي توصية هامة وتأتي كخطوة ثانية في إطار نظام الإنذار المبكر الشامل. ويمكن تصميم تطبيق الكتروني يمكن تحميله على كافة الأجهزة الخلوية (والتي هي في متناول الضحايا المحتملين) يعمل على الإبلاغ عن حالات التحرش الجنسي ومكان حدوثها وأوقاتها والجناة مع إمكانية الحفاظ على سرية وخصوصية الضحايا إن رغبوا في ذلك.
إن من شأن هذا التطبيق مساعدة كافة الجهات المعنية تحديد الأماكن التي تزداد فيها الشكاوى من التحرش الجنسي وإتخاذ الإجراءات الوقائية ضمن نظام الإنذار المبكر، كالمواصلات العامة ومراكز التسوق الكبيرة والمستشفيات والجامعات، وأماكن العمل، والمدارس خاصة خارج أبوابها حيث تشهد العديد من مدارس الفتيات ما يسمى بـ "المعاكسات" والتي هي بالفعل "تحرشات جنسية" التي تؤرق الطالبات خلال حضورهن الى مدارسهن ومغادرتها.
وتؤكد "تضامن" بأن التخلص من حالة "الإنكار" المجتمعي لن تتم دون وجود نظام إنذار مبكر وشامل كإعتراف بوجود هذه الظاهرة ويعمل على الوقاية منها ومعالجتها.