علم النفس السيبراني
مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/28 الساعة 08:53
مدار الساعة - بقلم: د. عيسى الطراونه
لم تعد المشاعر مجرد بوح خاص بين أشخاص يثقون ببعضهم بعضا، ولم يعد جيران وأصدقاء الشاب المتقدم لخطبة فتاة هم مصدر المعلومات الوحيد لأهلها خلال فترة البحث والتحري وقبُيل اتخاذ قرار الموافقة ، فقد أصبح من الممكن وبكل سهولة دارسة تفاصيل الشخصية كافة من خلال متابعة النقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي كما يمكن الوصول إلى كافة المعلومات التي يوفرها عن نفسه مثل العمل والنشاطات الاجتماعية التي يمارسها وما يحب ويكره ، وأحيانا يصل الأمر إلى أدق التفاصيل لدرجة أننا نستطيع أن نرسم صورة ذهنية في منتهى الدقة عن تلك الشخصية دون مقابلتها وجها لوجه أو الاختلاط بها.
وفي ظل هذا النوع من التواصل الاجتماعي، وما رافقه من إيجابيات وسلبيات فقد ظهر مؤخراً ما يسمى" بعلم النفس السيبراني" ، وهو أحد مجالات علم النفس الذي يركز على دراسة تأثير الفضاء الإلكتروني على سلوك الأفراد. كما يهدف هذا العلم إلى الوقوف على التأثيرات النفسية التي تأتي على خلفية التعامل مع التكنولوجيا بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص، فقد أصبح غالبية مرتادي هذه المواقع تحت وطأة العديد من التأثيرات النفسية التي نستشعرها في سلوكهم كل يوم مثل متلازمة «الخوف من أن يفوتهم شيء» وتعني هذه المتلازمة بأنه قد تخلّق لديهم شعوراً قهرياً ملحاً بضرورة المرور بصورة متكررة على تطبيقات التواصل لمعرفة الجديد لدى الأشخاص الذين يتابعونهَم، والاطلاع على قصصهم ومنشوراتهم الجديدة. ناهيك عن حالة القلق التي أصبحت تنتاب مرتادي هذه المواقع فهم في حالة قلق مستمر من أن يفتقدهم الآخرون، لذلك يبقون في حالة تحديث مستمرة لتفاصيل حياتهم لكي لا يتم نسيانهم وتهميشهم من قبل المتابعين.
لذا يبدو اننا بأمس الحاجة لتبني مثل هذا النوع من العلم داخل مؤسساتنا التعليمية إضافة إلى الاهتمام بالجوانب التطبيقية لمثل هذا النوع من العلم من قبل مؤسسات الدولة المختلفة لدراسة سلوك مرتادي هذه المواقع وتوحيههم توحيهاً إيجابياً وخصوصا أننا بدأنا في الآونة الأخيرة نستشعر العديد من الاستخدامات السلبية لمثل هذه المواقع من قبل مرتاديها وان النظرة السوداوية هي النظرة المسيطرة في ظل وجود ايدي خفية قادرة على إدارة العقل الجمعي بامتياز وتوجيهه نحو أجندات خاصة ومصالح شخصية، وإن قالت الأعراب يوماً "الرجّال صناديق مقفّلة" فإننا اليوم نقول "الرجّال صفحات مشرّعة"، لذلك وجب استثمارها نحو الأفضل.
مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/28 الساعة 08:53