يوم قال معمر القذافي.. غيرت رأيي ولن ألتقي زعماء القبائل والعشائر الأردنية
مدار الساعة - كشف الدكتور فايز الطراونة، رئيس الوزراء الأردني الأسبق ورئيس الديوان الملكي السابق، عن تفاصيل اهتمام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي بمشروع جر المياه من الديسي جنوب الأردن إلى منطقة عمّان الكبرى.
الطراونة في كتابه "في خدمة العهدَين"، الصادر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون"، والذي يتناول مسيرة الرجل الذي تسلم الكثير من المناصب الرسمية على مدار نصف قرن، وساهم في عدد من المحطات المهمة في تاريخ الأردن المعاصر، يقول عن القذافي ومشروع «الفاتح»:
بعد غياب استمر 16 عاماً، قرر العقيد معمّر القذافي زيارة الأردن يوم 5 تشرين الأول 2000، ضمن جولة عربية بدأها بمصر، وشملت سوريا والسعودية بعد الأردن. وقد اختار الرئيس الليبي الطريق البرّية لمسار رحلته، ورافقَتْه حين وصل إلى الأردن 630 سيارة وشاحنة.
كان الهدف الرئيسي للزيارة هو المشاركة مع الملك عبدالله الثاني في وضع حجر الأساس لمشروع جر المياه من الديسي جنوب الأردن إلى منطقة عمّان الكبرى، وذلك بضخ 100 مليون م3 سنوياً، وكان الرئيس الليبي قد أعلن في أكثر من مناسبة اهتمامه بهذا المشروع، مؤكداً أنه لن يرضى أن يبقى الشعب الأردني في حالة عطش، وأنه سيتكفل بنفقات هذا المشروع هديةً من الشعب الليبي. وقد أعطت هذه التصريحات الأمل في الإسراع في تنفيذ هذا المشروع للاستفادة من خزان ضخم للمياه الجوفية غير المتجددة تشاركنا به منطقة شمال المملكة العربية السعودية التي أقيمت فيها مشاريع زراعية ضخمة للحبوب، بينما لم يستفد الأردن سوى من بضع آبار لإقامة مشاريع زراعية متواضعة وضخّ احتياجات العقبة من المياه.
وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للاحتفال بإطلاق المشروع في موقع الديسي في وادي رم، وقرر الأردن تسمية المشروع باسم «الفاتح» نسبةً إلى «الفاتح من أيلول 1969»، اليوم الذي تسلم فيه القذافي مقاليد الحكم في ليبيا.
انتظر الملك عبدالله الثاني في نادي اليخوت الملكي في مدينة العقبة مع رجالات الدولة لاستقبال الضيف، وذهبتُ مع وزير الخارجية إلى مرفأ طابا عند الفندق الشهير الذي أجري عليه التحكيم كأقصى نقطة حدودية مع إسرائيل (بمحاذاة مدينة إيلات الإسرائيلية) في أعقاب معاهدة كامب ديفيد وعودة كامل شبه جزيرة سيناء إلى مصر بعد احتلال إسرائيل لها عام 1967. وكان يرافقني رئيس التشريفات الليبي نوري المسماري والذي وصل إلى الأردن قبل أيام على رأس وفد مقدمة الرئيس.
وصلت قبل القذافي إلى المرفأ فلم أجد سوى بعض رجال الأمن المصريين، وعندما استفسرنا عن الرئيس الليبي تبيّن لنا أنه قد توقّف في منطقة صحراوية قريبة من طابا للتأمُّل. وصل القذافي ورحبتُ به وصعدنا إلى العبّارة لتقلّنا إلى العقبة. وبمجرد صعوده إلى ظهر العبّارة سألني: «ما هذه المدينة؟»، قلت له إنها إيلات الإسرائيلية. قال: «الله أكبر.. هذه في حضن العقبة، ولا يفصلها عنها إلا شريط شائك. ماذا عمل السادات؟ فبدلاً من احتلال إيلات وربط المشرق العربي بالمغرب العربي ذهب إلى القدس وبعدها عقدَ اتفاقية سلام مع إسرائيل. هذه هي المأساة». قلت: «أيها الأخ القائد، لو كان بمقدور السادات لفعلَ ذلك، لكنه استعاد أراضي بلاده كاملة وأعاد حدود بلاده إلى ما كانت عليه أيام الملَكية بعد أن تراجعت إلى قناة السويس».
لم يعجبه كلامي على الإطلاق، فجلس على مقعد على ظهر العبّارة وقال: «كنت قد طلبت من جلالة ابني المعظم الاجتماع مع زعماء القبائل والعشائر الأردنية في وادي رم والمبيت هناك، ولكني غيّرت رأيي وأريد التوجه إلى عمّان مباشرة». شعرت في تلك اللحظة أنّ هناك استهانة بالمضيف، وفكّرت بما سيُحدثه هذا التغيير في البرنامج من فوضى وإرباك، فقلت: «جلالة الملك حرص كلَّ الحرص على تلبية رغبتك، فاتصلَ شخصياً مع زعماء القبائل والعشائر من شمال المملكة وجنوبها وشرقها وغربها، وهم الآن بانتظارك في وادي رم بعد أن قطعوا مئات الكيلومترات للقائك». ولأنني كنت أعرف عن العقيد القذافي عشقه للاستقبالات الشعبية وشغفه بالهتافات، واصلت حديثي لأثنيه عن تغيير رأيه بشأن وادي رم، وأوضحت له أن تغيير البرنامج لن يمكّننا من تنفيذ الاستقبال الشعبي الحافل في قلب مدينة عمّان، المجدْوَل ضُحى اليوم التالي. عندها وافق القذافي على إبقاء البرنامج كما هو.
وفي صباح اليوم التالي، وبعد الاستقبال الشعبي وسط العاصمة، عُقدت جلسة في قصر الندوة حيث مقرّ إقامة القذافي، تحدث فيها الرئيس عن الفضاء الإفريقي وأهمية إفريقيا سياسياً واقتصادياً، وبدا غير مهتم بالفضاء العربي الذي كان ينظر إليه على أنه في حالة فوضى وعدم اتزان، وكانت مفاجأته الكبرى عندما أعلن أن مشروع جرّ المياه من الديسي هو مسؤولية عربية، وأنه سيحثّ العالم العربي للمساهمة في تمويله، وأن ليبيا ستساهم بمئة مليون دولار، وهذا يشكل أقل من سُدْس كلفة المشروع. وحقيقة الأمر أن العقيد القذافي أطاح بكل الترتيبات المعدَّة لإطلاق المشروع بحسب وُعوده، وبعدها لم نسمع من الليبيين عن أيّ أمر يتعلق بالمشروع، ولا حتى عن المبلغ المختزل الذي أعلن القذافي تقديمه للأردن. وقد أدى ذلك إلى تأخير المشروع خمس عشرة سنة ليُنفَّذ أردنياً، وطبعاً ليس باسم «الفاتح».
ملاحظة: وكالة مدار الساعة الإخبارية أخذت موافقة مالك الكتاب على نشر هذا المقتطف منه
إقرأ أيضاً: فايز الطراونة يكشف اللحظات الأخيرة من تغيير ولاية العهد في الأردن: الحسين اشعل سيجارته ورفع مغلفاً
يذكر أن د. فايز الطراونة وُلد يوم 1 أيار 1949 في عمّان، وفيها نشأ وترعرع، حصل على شهادة الدراسة الثانوية العامة/ الفرع العلمي من مدرسة المطران في عام 1967، ثم التحق بالجامعة الأردنية وحصل منها على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد (1971).
عمل في الديوان الملكي الهاشمي؛ مساعداً لرئيس التشريفات الملكية ومديراً لمكتب الملكة علياء الحسين (1971-1980). وخلال ذلك تابع دراسته العليا في الاقتصاد في جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية، فحصل منها على شهادة الماجستير (1974)، ثم شهادة الدكتوراه (1980).
عمل سكرتيراً اقتصادياً لرئيس الوزراء (1980-1984)، ومستشاراً اقتصادياً لرئيس الوزراء (1984-1987)، ووزيرَ دولة لشؤون رئاسة الوزراء (9/1-19/12/1988)، فوزيراً للتموين حتى 24/4/1989، وعضواً في الوفد الأردني لمفاوضات السلام (14/11/1991-15/6/1993)، وسفيراً للأردن في الولايات المتحدة الأميركية (2/1/1993-18/3/1997)، ورئيساً للوفد الأردني لمفاوضات السلام (15/6/1993-25/10/1994)، ووزيراً للخارجية (19/3/1997-17/2/1998)، ورئيساً للديوان الملكي الهاشمي العامر (17/2/1998-20/8/1998)، ورئيساً للوزراء (20/8/1998-4/3/1999).
إقرأ أيضاً: فايز الطراونة يشهر «في خدمة العهدَين» (صور)
تولّى رئاسة الديوان الملكي الهاشمي العامر للمرة الثانية (13/1/2000-9/3/2003)، وعُين عضواً في المجلس العالي لتفسير الدستور (4/12/2003-27/12/2004)، ثم أصبح رئيساً للوزراء للمرة الثانية (2/5/2012-10/10/2012)، ثم رئيساً للديوان الملكي الهاشمي العامر للمرة الثالثة (28/1/2013-19/6/2018).
عُيّن عضواً في مجلس الأعيان الثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين، والحادي والعشرين، والثاني والعشرين، والثالث والعشرين، والرابع والعشرين، والخامس والعشرين. وهو عضو في مجلس الأعيان السابع والعشرين منذ 20/6/2018.
رأس مجلس أمناء جامعة الحسين بن طلال (1999-2009)، ومجلس أمناء جامعة آل البيت (2009-2011)، والنادي الدبلوماسي الأردني (5/12/1999-1/12/2003)، والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط (2011-2012).
يتولّى الرئاسة الفخرية للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط منذ عام 2012، وهو نائب سموّ رئيس مجلس الأمناء لجائزة الملك عبدالله الثاني لتميُّز الأداء الحكومي والشفافيّة منذ عام 2002 (مركز الملك عبدالله الثاني للتميُّز منذ عام 2006).
يحمل العديد من الأوسمة الأردنية والأجنبية، من بينها: وسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى، ووسام الاستقلال الأردني من الدرجة الأولى.