الكرامة: يوم النصر على الصهيونية
21. آذار. 1968 أي قبل 49 عاماً هو تاريخ مجيد ليوم النصر على الصهيونية من طرف الخندق الأردني الفلسطيني الواحد، الشامخ الجبار. ولا أقول هنا على (اسرائيل) فقط، لأن الكيان الاسرائيلي النازي الذي نراه اليوم على شكل دولة نووية السلاح، ومتطورة على مستوى التقليدي منه) وهو الذي ادعى معاناته من نازية ادون هتلر 1939- 1945، هو نتاج مباشر للصهيونية ومخططاتها نحو (اسرائيل الكبرى). والتاريخ الحقيقي غير المزوّر شاهد عيان، ومثلي هنا مؤتمر بازل الصهيوني الأول عام 1897 الذي استهدف بقيادة ثيودور هرتزل اقامة وطن لشتات اليهود على أرض فلسطين العربية بالارتكاز على النسخة المزورة من التوراة، مع إبعاد إمكانية إقامة مثل هكذا مشروع مسخ في الارجنتين أو اوغندا، والإصرار لعدم الاصغاء لاحقاً لدعوة الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين لإقامة الكيان في إقليم القرم/ الكريم.
والتفاف الصهيونية حول قرار الأمم المتحدة رقم (181) لعام 1947 القاضي انذاك بتقسيم فلسطين إلى دولة عبرية يهودية مساحتها 15 ألف كم2، وأخرى عربية مساحتها 11 ألف كم2 مع إبقاء القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت المظلة الدولية فرغه من مضمونة ومن رسالته الحقيقية. وهو ما نشاهده حتى في أيامنا هذه حيث أصبحت (اسرائيل – نتنياهو) تعمل وتحاول اقناع كبريات دول العالم وعلى رأسها (واشنطن) بطبيعة الحال (بحكم تمركز منظمات (الايباك)، و (الكونغرس)، و (البنتاغون) ذات العلاقة الجيوبولوتيكية بالصهيونية الشريرة ذاتها، من أجل ترسيخ حل الدولة الواحدة للقضية الفلسطينية العادلة بدلاً من حل الدولتين، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي رافقت الاحتلال الاسرائيلي الثاني لفلسطين عام 1967 بعد الاحتلال الأول عام 1948، فأصبحنا من وجهة النظر الاسرائيلية أمام دولة عبرية وفقاً لقرار التقسيم نفسه، وآخرى (عبرية)، أيضاً تعج بالمستوطنات، وتهمّش حق الفلسطينيين إخوتنا في حصولهم على دولتهم المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، مع ضمان حق العودة والتعويض، وإخلاء المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية من قاطنيها اليهود، وتساند عصابات تنظيم القاعدة الإرهابية مثل (داعش)، و(النصرة) المجرمتين سراً.
والسؤال العريض الذي نطرحه هنا هو لماذا استهدفت (اسرائيل) الأردن في الكرامة؟ ولماذا استهدفتنا بعض المنظمات المخترقة والخارجة عن القانون الأردني بعد ذلك إلى الأمام في سبعينيات القرن الماضي؟ متجاوزة في المقابل حقبة سيد الشهيد وصفي التل.
ولازالت تلوّح بمخططاتها العلنية السوداء تجاه عمان من طهران؟ ولدي اعتقاد جازم بأن معاهدة سايكس - بيكو 1916 صُممت صُهيوناً لإظهار الكيان الاسرائيلي على الوجود وتسمينه بواسطة الأمم المتحدة ليتحول إلى دولة توسعية لا تلتزم بحدود، تشابها مع إيران في هذا الصدد. ولم نعد نعرف من سيحرر لنا الجولان ومزارع شبعا وفلسطين، ومن يحتل جزر الإمارات الثلاث (طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى)، وللمغرب جزر محتلة من قبل اسبانيا مثل سبتة ومليلة وباديس، وسبق لتركيا ان اقتنصت إقليم الاسكندرونة من سورية عبر فرنسا، وفي المقابل فإن الأردن التوأم لفلسطين خاض معاركاً شرسة مع الكيان الصهيوني في (باب الواد) و(اللطرون) و1948 وعام 1967 دفاعاً عن فلسطين وهن وجوده، ولم يبخل يوماً بهذا الاتجاه، وقدم إضافة لجهد أهلنا غربي النهر قافلة من الشهداء. وبالمناسبة من الخطأ القول بأن قيام الدولة الأردنية أرتبط بنتاج (سايكس- بيكو) بحكم طلبه العون بداية من انجلترا، ونتجاهل الدور العظيم لثورة العرب المجيدة الخالدة التي أطلق رصاصتها الأولى شريف العرب وملكهم الحسين بن علي، وتقدمها تجاه الأراضي الأردنية نجلة الأمير عبد الله الأول الملك لاحقاً بهدف بناء وتوحيد بلاد الشام ودولة العرب تحت شعار (الوحدة، والحرية الحياة الفضلى)، وكتاب بنيامين نتنياهو مكان تحت الشمس يعج بالأكاذيب والتزوير حول الوطن القومي لليهود وأرض (إسرائيل).
أو لم يخطر على بال أحد بأن عظيمنا الراحل الحسين طيب الله ثراه في حقبة الخمسينيات من عمر الأردن، وتحديداً بتاريخ 1. آذار 1956 أمر بتعريب قيادة جيشنا العربي الأردني الباسل عبر طرد الجنرال كلوب باشا ومعاونية، واستجاب لحراك الشارع الأردني ومنهم الضباط الاحرار وقدم بقيادة أردنية عسكرية وطنية تقدمها اللواء راضي عناب، وأسدل الستار على بقايا مخلفات الإنجليز، وعلى مشروعهم غير الحميد المساند انذاك لفرنسا وللصهيونية من خلفهم في عتمات ظلام المنطقة العربية، ومؤشرات «حرب الكرامة» نقرأها أيضاً في كتاب وصفي التل «كتابات في القضايا العربية». ص؟37، حيث كتب يقول» (فليست فلسطين، أذن، الهدف النهائي للصهيونية، وإنما هي رأس جسر لتوسعات أخرى، تقرر زمانها ومكانها عناصر القوة والضعف في مفهومها الشامل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وعلمياً وتنظيمياً، معبأة في طاقة كلية تتصارع مع طاقة كلية مقابلة في كفتي ميزان، ترجح احداهما على الأخر، انتهى الاقتباس. وهنا لا تعليق لي بعد كلام وصفي، المفكر والزعيم الأردني الشعبي حتى وقتنا هذا، رغم مرور 46 عاماً على اغتياله. وهو الذي شهد نكبة 1967 وحذر مسبقاً من نتائجها، وحدد بنفسه ملامح نصر الكرامة الأكيد، عبر تمسك الأردن بتفوقه الطبوغرافي على الأرض، وهو الذي حاولت أمريكا إفشاله بعد استشهاده بفتح مشاريع انشائية في الأغوار يكمن في فتح طرق تقتحم الهضاب الأردنية المرتفعة والمتعرجة وتجهزها لأي عدوان اسرائيلي محتمل، وفي كتاب «مهنتي كملك» لناشره فريدون صاحب جم بالفرنسية، والذي ترجمه إلى العربية الدكتور غازي غزيّل، صفحة (211) نقرأ قولا لمليكنا الحسين الراحل رحمه الله.. «وكان الجميع يتحدثون عن حرب جديدة في حين انني بين عامي 1968، 1969 لم اتلق سوى نصف التجهيزات التي كنت انتظرها» انتهى الاقتباس. وهنا من جديد استطيع وإياكم اعزائي القراء أن نلتقط مؤشراً اخر على اقتراب رياح العدوان الاسرائيلي من حدودنا الأردنية انذاك بعد استهدافها اصطياد عصفورين بحجر واحد – طرد ومطاردة الفدائيين الفلسطينيين الموزعين عبر تنظيماتهم على (فتح)، و(الشعبية) وغيرها، واقتلاعهم من جذور وطنهم الأم، وتوسيع مساحة الاحتلال في عمق الأراضي الأردنية وتشكيل منطقة جغرافية امنة جديدة على غرار (الجولان) السورية و (مزارع وتلال شبعا) اللبنانية، وربما ابعد صوب عمان. لكنهم، أي الاسرائيليون خسئوا، فتم تحطيم قدراتهم العسكرية والمعنوية أردنياً وبجهد أهل فلسطين اخوتنا.
وفي كتاب «معركة الكرامة» ص. 173/174 كتب الفريق المرحوم مشهور حديثة الجازي، والذي يشير ميدان المعركة فيه بقوة على أنه بطلها الحقيقي، قائلاً: «صار على اسرائيل إعادة ترتيب أوراقها من جديد، فعدوها الآن زئبقي لا يستقر في أرض ولا يظله سقف يمكن قصفه، وقرار القضاء عليه في مهده مسألة معقدة... ولا بد من سحب البساط كله من تحتهم، وهكذا كان قرارهم ضرب الأراضي الأردنية، بل احتلال جزء منها لجعلها منطقة امنية من جهة، ثم السيطرة على الحركة الفدائية ضمن دائرة أقل من جهة آخرى «انتهى الاقتباس».
وهذا يفسر من وجهة نظري تراكم قرارات قادة الميدان والسياسة كذلك في الاردن في ذلك الوقت، ومسبقاً لمستقبل الأحداث وبدقة وبوتيرة عالية من الحدس واستشعار القادم. وبالمناسبة فلقد سجل التاريخ لمشهور حديثة الجازي تمسكه واحترامه للخندق الأردني الفلسطيني الواحد، ورفضه الخروج منه في عمق الزمن القادم بعد النصر. وهو الذي كتب في شهادته عن معركة الكرامة أيضاً هنا صفحة 174 «سيّما أن الجيش الأردني لم يكن بريء من التعامل مع الفدائيين... حيث أن التنسيق الكامل بينه والحركة في تلك الفترة كان في اوجه، وكنت بنفسي اشرف على ذلك انتهى الاقتباس.
ولقد فتحت معركة الكرامة البطلة التي تقدمها كوكبة من شهداء الأردن وفلسطين البالغ عددهم حسب كتاب «معركة الكرامة» لمؤلفة اللواء محمود الناطور 175 شهيداً على النحو التالي: (الجيش الأردني 74 شهيداً، فتح 74 شهيداً، الشعبية 27 شهيداً)، وبلغت الخسائر البشرية الاسرائيلية العسكرية في المقابل حسب عضو الكنيست شموئيل شامير أكثر نسبياً من خسائر الجانب الأردني والفلسطيني معاً وهو الأمر الذي ازعج تل ابيب بطبيعة الحال، فتحت افاقاً تجاه اعطاء أهمية قصوى للدولة الأردنية؛ وترتيب أوراق للسلام معها، وهو ما حدث عام 1994 عندما تم توقيع معاهدة ثنائية بين الجانبين الأردني والإسرائيلي تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية، وسبقها آخرى مع جمهورية مصر الشقيقة عام 1979 وصفت بالانفرادية. وتحول نصر الكرامة إلى مماثل له في تشرين 1973، ونفذت إسرائيل انسحابات متتالية من الأراضي العربية في سيناء وجنوب لبنان وغزة.
والآن وبعد مرور 23 عاماً على معاهدة السلام الأردنية الاسرائيلية أصبح من غير المعقول أن تنادي اسرائيل (نتنياهو) بإلغاء حل الدولتين، وان تحاول اقناع أمريكا وكبريات دول العالم بذلك، ضاربة عرض الحائط ذات الوقت بكل الاتفاقات السياسية المتتابعة عبر كامب ديفيد 1978 واسلور 1993، بهدف تمزيق الدولة الفلسطينية وتهميشها، ولسد كافة الطرق امام حصولها على السيادة الكاملة بعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لحدود الرابع من حزيران. وحسب أوراق وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الامن (242)، ولمنع عودة أهل فلسطين لديارهم، وحصولهم على التعويض المشروع حسب القرار 194، وللإبقاء على المستوطنات اليهودية غير الشرعية ميداناً لاستيعاب المزيد من شتات اليهود على اختلاف جنسياتهم، وهم الذين لم يولدوا على أرض فلسطين أصلاً، وهي بريئة منهم. وفي المقابل هنا أيضاً من المعيب على (إسرائيل المحتلة) التي – تمتلك هنا في عمان وهناك في القاهرة سفارتين لها وتقيم علاقات تجارية مع العرب، وفي وقت هي فيه الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين وقدسها ماثلة منذ عهد شريف العرب وملكهم الحسين بن علي عام 1924، والتي الت إلى جلالة الملك عبد الله الثاني، أن تمنع الأذان في بيوت الله في القدس؛ وتتطاول على مشاعر المسلمين وأهلنا المسيحيين. وبناء على ما سبق ذكره وبحكم البعد السياسي للكرامة إلى الأمام، اقرأ في كتاب «منهج الاعتدال العربي» لمروان المعشر صفحة 37 قوله بوجود مدرستين في الأردن لحل الدولتين احداهما أمنية معارضة لقيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، والثانية تعتبرها خطوة إيجابية للتصدي لمشروع الليكود الاسرائيلي الداعي لاعتبار «الاردن هو فلسطين». وأنا هنا كمراقب إعلامي وسياسي وبتواضع لا ألاحظ وجود مسافة أو فجوة بين «السياسي» و»الأمني» في بلدي الأردن، وتناغم وتنسيق دائم واتفاق اكيد على مخرج «حل الدولتين» المنصف لنا هنا في الأردن، ولأهلنا وأخوتنا في فلسطين، وللجم ذات الوقت أفكار نتنياهو وأحزاب (إسرائيل) المتطرفة المعيقة لقيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، والذي هو حق تاريخي مشروع للفلسطينيين المكلومين من غطرسة الاحتلال الاسرائيلي المرتكز على التوراة المزورة.
ويقول الكاتب تيسير المشاقبة في كتابه «اسرائيل: إشكالية الدولة والأرض والوجود». ص. (23): (إن إصرار نتنياهو على أن إسرائيل دولة الشعب اليهودي، أو وطن الشعب اليهودي يكشف أن الاعتراف بيهودية «دولة إسرائيل» ليس مجرد إعتراف بهويتها اليهودية، وإنما يمس الأرض ذاتها، بمعنى أنها حق للشعب اليهودي وملك له. ولا ينازعه في ذلك الفلسطينيون والعرب والمسلمون، وبهذا تصبح أرض إسرائيل إلغاء لفلسطين ولأرض فلسطين، ولحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية «أنتهى الاقتباس». وتعليقي هنا هو بأن نتنياهو الجشع يخلط الأوراق الجغرافية ومنها الطبوغرافية والسياسية ببعضها البعض، ومثلما هو لا يعترف بوجود حدود لإسرائيل وكيانه الاحتلالي الجامع لشتات يهود العالم ومرتزقتهم، حري به أن يعرف بأن الاحتلال زائل لا محالة، ومهما طال الزمن. وما ينقص العرب إلى جانب اقبالهم منقطع النظير على التعليم ومحارب الثقافة اليوم هو تجديفهم الحقيقي باتجاه وحدتهم التي يكمن في متنها قوتهم ومنعتهم، ومنها العسكرية الموحدة، وإصرارهم بكافة الوان المقاومة ومنها الاعلامية والسياسية على دحر الاحتلال أياً كانت هويته، وعلى تحطيم خلايا الهلال الشيعي غير الحميد الذي تحركه إيران بالريموت كونترول من عاصمتها طهران، ليبقى مخترقاً لنا نحن العرب، وناشراً للطائفية البغيضة وسطنا. وفي الختام الف تحية للمرأة الاردنية والعربية في عيدها، والمناضلة في فلسطين كذلك، وأجمل التبريكات لنصرنا في الكرامة بأسم كل العرب.
الرأي