قرارات حُكوميّة بِحاجة لِمُراجعة

مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/15 الساعة 01:18
الكاتب: سلامة الدرعاوي على ضوءِ التراجُع الحاصل في الإيرادات المحليّة خلال الشهور الخمسة الأولى من هذا العام بقيمة 65 مليون دينار، مُقارنة عما كانت عليه خلال نفس الفترة من العام الماضي، وهو ناتج عن تَراجُع إيرادات ضَريبة المَبيعات بنسبة 8 بالمئة، وانخفاض ضريبة بيع العقار بنسبة 22 بالمئة.
استمرار المؤشرات الماليّة السابقة على حالتها يعني أن الخزينة ستواجه تراجعاً كبيراً في الإيرادات المُقدّرة في قانون الموازنة العامة بأكثر من 200 مليون دينار، وهو يُعادل تَقريبا 40 بالمئة من الحُزمة الماليّة المُتوقع تحصيلها ضمن اتفاق الأردن مع صندوق النقد الدوليّ والمُقدّرة بحوالي 560 مليون دينار، وهذا سَيُشكّل ضربة موجعة لِكُلّ عمليات الإصلاح الماليّ في الخزينة.
التحدّيات التي تواجه الخزينة مُستمرة ولا تنتهي فمع كُلّ إجراءات الضبط لِعَمليات تهريب الدُخان على كافة المُستويات سواء بإلقاء القبض على أكبر المهربين والمزورين، وضبط الإجراءات على المَعابر الجُمركيّة المُختلفة فإن كميات التهريب في تزايد كبير، لا بل أنها باتت تُشكّل أكثر من 30 بالمئة من مُجمل الدُخّان الموجود في الأسواق، وهذا يعني أن المُشكلة تتفاقم وليست في طور الحلّ السَريع الناجع الذي يقضي على هذه الظاهرة التي تُخسّر الخزينة الكثير من الأموال والتي من المُرجح أن تصب حسب بعض التقديرات إلى 200 مليون دينار على أقل تقدير.
الأمر لا يطال تَهريب الدُخّان التقليديّ وإنّما وصل إلى السجائر الإلكترونيّة التي غزت الأسواق والتي بات التَهريب أيضاً يُسيطر عليها بعد أن رفعت الحُكومة الرُسوم الجُمركيّة عليها لِتصل إلى 200 بالمئة، وهي نسب كبيرة جعلت أثمانها مُرتفعة كثيرة مقارنة عما هي عليه في الدول الأخرى، وهو الذي جعل عمليات التَهريب تنشط عليها بسبب جدواها و ربحيتها العالية، في حين بدأت الخزينة بِفُقدان مورد ماليّ كبير ناتج عن عمليات التهريب لهذه السلع الجديدة، وبالتالي فإن المليار دينار المُقدّر تحصيله من شركات الدخان بات صعباً في ظل استمرار وتنامي عمليات التَهريب للدخّان بكافة أشكاله.
جمارك السيارات هي أحد أكبر مصادر الدخل للخزينة، ولطالما كانت رافداً أساسيّاً في حالات تراجع الإيرادات من القطاعات الأخرى، فهي تزوّد الخزينة بما يُقارب الـ500 مليون دينار بين جمارك وضرائب مُختلفة، لَكنها مُنذ ما يزيد على العام وتحديداً وقت رفع الرسوم الضريبة والجمركيّة على سيارات الهايبرد والكهربائية فأن إيرادات الخزينة من هذا القطاع في تراجع مُخيف، ومن المرجح أن يتجاوز حجم الانخفاض فيه مع نهاية هذا العام ما يزيد على الـ100 مليون دينار، ناهيك عن التراجع المُخيف الحاصل في حركة القطاع والتي يسيطر عليها اليوم شبح الركود.
الحُكومة لا تملك ترف الوقت للاستمرار في تلك الإجراءات السابقة، فقد بات واضحاً تداعياتها على الخزينة من انخفاض كبير في التحصيلات الماليّة مُقارنة عما هو مقدّر في قانون الموازنة، وليس من المعقول الاستمرار بذات النهج والإيرادات تتراجع، وبقاء هذه الحالة وعدم التراجع عنها سيجعل الحُكومة تفكر في فرض ضرائب مُباشرة أو غير مباشرة على المواطنين، وهذا أمر مرفوض وغير مقبول، فالمواطن لم يعد قادر أبداً على التعاطي مع هذا الكم الكبير من الضرائب والرسوم التي يدفعها والتي باتت فعلا تُهدد أمنه المعيشيّ اليوميّ.
الحُكومة مُطالبة اليوم بأن تضع القرارات السابقة خاصة المتعلقة بالسيارات والدخان بأنواعها تحت مجهر الفحص والتقييم، ومن ثم إعادة النظر في مجمل تحصيلات وتداعيات تلك القرار، وإعداد دراسة علميّة واقعيّة عن الأثر الاقتصاديّ الذي تركته تلك القرارات وفيما إذا كان مُتماشيا مع الأهداف الكليّة لخطة الإصلاح الماليّ وقانون الموازنة العامة، ولن يعيب أيّ مسؤول التراجع عن أيّ قرار له تداعيات سلبيّة على الاقتصاد الوطنيّ، بالعكس فأن ذلك يقوي عملية الإصلاح نحو الوصول إلى الهدف المنشود، فالمراجعة الدوريّة كفيلة بإزالة الشوائب التي تحوم حول أيّ قرار، لكن الأصل هو أن تكون عمليات التقييم والمراجعة سليمة وهادفة.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/15 الساعة 01:18