الدنيا دوّارة

مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/07 الساعة 03:04

مكثت ثمانية عشر عاما في بيت أبيها معزّزة مكرّمة، فأسرتها تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، كل ما تتمناه كفتاة صغيرة حصلت عليه، تعيش بين أبويها في بيتهم الريفي، تأكل أحسن الطعام، وتلبس أحسن الثياب، وتعيش في أحضان الطبيعة الخلابة.
تزوجت من الرجل الذي أحبته وانتقلت إلى بيته، وكانت وجهَ السعد عليه، حيث ارتقي زوجها في المناصب بسرعة صاروخية ليصبح الرجل الثاني في الدولة، ومحل ثقة رئيسها. وبفضل هذه المكانة عاشت هذه السيدة لمدة عشرين عاما في رخاء قلّ نظيره، فهي محاطة بالخدم والحشم، تلبس من الثياب أفخرها وأغلاها، ولا تحسب للنقود أي حساب، فالخير كثير، وهي تتنقل من بلد لآخر، وتستمتع بحياة الغنى والثراء.
اكتشفت هذه السيدة أن زوجها الذي يسهر الليل الطويل، ويلعب القمار، ويشرب حتى الثمالة، يخونها كلّ يوم مع عشيقة، فشعرت بطعنة في كرامتها، وقرّرت الانتقام منه، بأن أوقعت نفسها في بئر الخيانة، وخانته مع أحد الموظفين الذي يعملون تحت إمرته، وهكذا ردت الصاع صاعين، ثم قرّرت الانفصال عن زوجها، لتعيش حياتها مع عشيقها الجديد، الذي خُيّر بين الوظيفة أو البقاء مع السيدة، فترك الوظيفة دون تردد.
سنتان عاشتهما السيدة بعيدة عن عائلتها، اكتشفت خلالهما حبها لزوجها وأولادها، كما اكتشفت نذالة العشيق الذي لا تهدأ عيناه، ولا يرتاح قلبه إلا بالمزيد من الخيانة والغدر، فهو يبتلع ما كل ما يراه من النساء دون أن يشبع، بل يظل ينادي: هل من مزيد.
قرّرت السيدة أن تعود لبيتها وأسرتها، فأرجعها الزوج دون تردد، وكانت هذه العودة مجرد مقدمة لفصل جديد في حياتها ستكتب الأقدار صفحاته بشكل لم تعهده بل ولم تتخيله السيدة.
تفشل عملية انقلابية في البلاد، قائد هذه العملية هو زوج السيدة، تتم تصفية الزوج، ويأمر الرئيس بحبس الزوجة وأولادها في سجن صحراوي، لا تعيش فيه إلا الأفاعي والعقارب، ولا تتلقى فيه وأولادها شيئا من طعام أو شراب سوى ما يجعلهم على قيد الحياة، وهكذا تدخل السيدة في محنة وقهر وبؤس دام عشرين سنة.
ثمانية عشر سنة مرتاحة، وعشرون سنة منعّمة مترفة، وعشرون سنة مقهورة ذليلة، تخرج بعدها لتغادر إلى خارج وطنها، حبست وهي في (36) عاما في قمة صحتها وجمالها، وخرجت وهي في (55)، متعبة منهكة، هذه خلاصة قصة إنسانة في هذه الدنيا الدوارة.
الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/07 الساعة 03:04