الخالدي يكتب: أن ينتفض الصحفيون

مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/05 الساعة 10:14

كتب: حازم الخالدي

الصحفيون كغيرهم من أصحاب المهن، يعانون ظروفاً معيشية صعبة.. الإعلام الرسمي يواجه من قبل الحكومة التي لا تنظر الى مطالب العاملين به بموضوعية، وتحرمهم من العلاوات والمكافآت والامتيازات التي تقدم في بعض المؤسسات، وكأنها لا تعرف أن الصحفي لا يتوقف تفكيره عن العمل، فهو جاهز للعمل في أي وقت لخدمة قضايا الدولة والوطن والمواطن، والصحفيون في القطاع الخاص أيضاً يواجهون نفس المشاكل لا بل أكثر بحكم ملكية الصحافة وتراجع الصحافة المكتوبة أمام وسائل التواصل الاجتماعي، فمنهم من فصل عن عمله ومنهم من توقفت علاواتهم وامتيازاتهم، وبين هذين القطاعين، تأتي معضلة النقابة التي ترعى الجسم الصحفي، التي من واجبها وأسس عملها حماية هذا القطاع، ولكنها بفعل عوامل أخرى تراجعت في هذه الفترة عن خدمة الجسم الصحفي، ولو توقف الصحفيون عند اجماع الهيئة العامة السنوي لأعضاء نقابة الصحفيين الأردنيين الذي عقد مؤخرا، لربما تلمسوا أشياء كثيرة وصورة قاتمة لاوضاع النقابة المستقبلية، إذ كانت بداية المؤشرات السلبية الغاء صندوق التقاعد الذي يحصل للمرة الثانية في تاريخ النقابة، بدلاً من تقويته ومعالجة الاختلالات التي تحدث فيه، وأية اختلالات اخرى يمكن أن تتواجد سواء في صندوق التكافل أو نظام التامين الصحي، إذ أن من واجب النقابات ليس اختلاق الاعذار وايجاد التبريرات لتقول انها تتحمل أعباءً مالية كبيرة من التأمين الصحي أو غيرها من الاستحقاقات التي يفترض أن تعود بالفائدة على الجسم النقابي، وإنما الدور الكبير الذي يقع على عاتقها حماية منتسبيها والدفاع عن مصالحهم، والبحث عن حلول للمشاكل التي يمكن ان تحدث.

لن أطيل الحديث عن دور النقابات تجاه منتسبيها، فهي أدوار معروفة للجميع، وإن تم التخلي عنها في هذه الفترة، لكنها أساس عملها، وينبغي أن تظل هذه الالتزامات بعيدة عن اي انتهاكات، فهل يمكن أن تتخلى النقابات عن الدفاع عن مصالح العاملين وحقوقهم العمالية وتوفير متطلبات العمل وحماية المهنة والدفاع عن الحريات؟ هذه أساسيات في العمل النقابي.

كانت هناك ملامح ومؤشرات سلبية أخرى عن الأوضاع المالية للنقابة وبالذات ما يتعلق بصندوق التأمين الصحي، وكذلك صندوق التكافل الاجتماعي، فإذا ما تم الغاؤهما ماذا تبقى للجسم الصحفي وما فائدة النقابة؟!

هل ينتظر أعضاء النقابة أن يضع لهم أحد "لايك" على الفيسبوك أو تعليقاً او تهنئة تمر مرور الكرام، أو أن يشارك أحدهم في التعازي أو حضور حفل، فيما الاوضاع التي يعانيها الصحفيون في أسوأ حالاتها، هل هذا هو ما ينتظرونه؟!

أستغرب أن نظل نتحدث في هذه الاوضاع ولا نجد الحلول لها، فإذا كانت هذه الصناديق تعاني وتواجه معضلات ومشكلات، فمن واجب المجالس النقابية -أيا كانت- أن تعمل بكل جدية على ايجاد السبل الكفيلة لدعمها من خلال الأسس المتبعة في قانون النقابة التي تتيح الاستثمار، هذا الملف الذي لم تجرؤ المجالس السابقة جميعها على الاقدام على تنفيذه، ومن واجب النقابة أيضا أن تقوم بتحصيل الأموال المترتبة من عائدات الاعلانات في الصحف، التي يمكن أن تشكل رافدا مهما للنقابة في حال تحصيلها شهريا بدل من تجميدها باتفاقيات غير مفعلة مع الصحف، ومن ثم استثمارها جيدا، فقد سبق أن وقعت اتفاقية مع احدى الصحف اليومية التي واجهت أزمة مالية سابقا، يتم بموجبها تسديد المبالغ المترتبة عليها من نسبة الـ 1% من الاعلانات على اقساط اعتبارا من بداية عام 2018 ولم تحصل هذه المبالغ، وكذلك تم تكليف المستشار القانوني لاجراء تسوية مع بقية الصحف ولكن للاسف لم تسدد المبالغ وتراكمت حتى وصلت الى نحو مليون دينار مع فوائدها، حتى أن صحيفة يومية ظلت على مدى سنوات ملتزمة بدفع النسبة المستحقة للنقابة، ولكنها في الفترة الأخيرة توقفت عن تسديد المبالغ، مع أن هذه الصحف جميعها استفادت من الاعلانات القضائية التي شملتها اتفاقية النقابة مع وزارة العدل، فكان عليها التسديد الفوري للنقابة حتى تبقى أموال النقابة في حالة نمو مستمر.

وإذا كنّا نتحدث عن الاستثمار، لماذا لا يتم الاستثمار بالأراضي، بحيث يستفيد الزملاء من قطع أراضٍ وبمساحات بسيطة تقديم اليهم بنظام التقسيط، وهذا مشروع يتم. من ولكنه سرعان ما يتوقف، وبالعكس يمكن ان يحدث ديمومة في صناديق النقابة.

وهنا أذكر أنه عندما تم زيادة رسوم الاشتراك لصندوق التكافل الاجتماعي العام الجاري وباثر رجعي، تم الاستناد الى الدراسة الاكتوارية التي اجريت في العام 2016، وهي دراسة عالجت الكتير من الثغرات والمشكلات التمويلية التي يواجهها الصندوق بهدف إجراء اصلاحات وتعزيز المركز المالي للصندوق في الوقت المناسب، وتقويته واستمراريته وديمومته للاجيال القادمة وخاصة عند اعتماد التمويل الذاتي، وللاسف عند تحصيل الاشتراكات من الاعضاء تكون هذه الدراسة مرجعا، فيما الامور الاخرى لا يتم الالتفات اليها، مع العلم ان الدراسة وضمن توصياتها وضعت عدة بدائل لتقوية الصندوق لم تكن الاشتراكات وحدها هي الحل..

ولو بقينا في الاشتراكات فقط، وفي بند تحليل الخصائص الديمغرافية للمشتركين ، إذ تبين انه فى عام 1980 ، فإن 100% من المشتركين هم ضمن الفئه العمرية 55 سنة فاكثر (اى كبار السن)، فيما في عام 2010 اصبح 100% من المشتركين ضمن الفئة العمريه 31 سنه فاكثر (اى الشباب وصغار السن)، وهذا يؤشر الى التطور الديمغرافى لأعمار المشتركين مما يحقق زيادة بالقدرة على توازن الايرادات والنفقات لصندوق التقاعد، بحسب الدراسة، نظرا لانخفاض معدل الوفيات لصغار السن قياسا بكبار السن.

والملاحظ في هذه الدراسة أنها ربطت بين اعداد الصحفيين من المشتركين الجدد والمستفيدين، مع الاخذ بعين الاعتبار اعداد الصحفيين في النقابة والذي يصل الى 1327 في العام 2018، و1391 في العام 2019 ،و1470 في العام 2020، وهذا لم يحدث نتيجة تناقص اعداد الصحفيين بفعل اجراءات المجلس الحالي،الذي فصل مجموعة من الزملاء ،حتى أن قبول الصحفيين الجدد تراجع بشكل كبير،فلم يتجاوز عدد المنتسبين الجدد للنقابة العام الجاري النسبة المتوقعة بالدراسة ،وهذا رقم لا يتوافق مع الدراسة، التي توقعت أن ينمو عدد الصحفيين بمعدل79 صحفيا جديدا سنوياً.

كانت الدراسة قد أوصت فيما يتعلق بصندوق التقاعد ، إجراء دراسة اكتوارية لمراجعة أسس تمويل صندوق التقاعد بحيث تتوازن الاشتراكات مع الرواتب التقاعدية ومن ثم اجراء دراسة اكتوارية لدمج صندوق التقاعد مع صندوق التعاون والضمان الاجتماعي، للوقوف على جدوى وفوائد الدمج والاصلاحات المالية والتمويلية المطلوبة تحت مسمى صندوق (التقاعد والضمان الاجتماعي)، لتخصيص راتب تقاعدي مناسب وكذلك تعويض دفعة واحدة (أي مساعده مالية) عند حدوث الوفاة او العجز للمستفيد وأسرته من بعد وفاته،ولم يتم الالتفات الى هذه التوصية ولم يتم تفعليها حتى تبقى جميع الصناديق في وضع مريح ودون أي ازمات.

لقد انتهى صندوق التقاعد والزملاء الان ينتظرون توزيع عائداته عليهم بعد إجراء الترتيبات الرسمية اللازمة، ومنهم من بحاجة لهذه المبالغ مهما قلت، ونسبة الواحد بالمائة من اعلانات الصحف لم تحصل منذ فترة ودون اي مبرر وسند قانوني، حتى النادي الذي كان يأتي البعض إليه لحضور مباراة كرة قدم تم إغلاقه، كما أن المنحة الجامعية لابناء الصحفيين توقفت (طبعا توقفت من الديوان الملكي) الآن وفي المرحلة المقبلة يتخوف الصحفيون من توقف التأمين الصحي الذي يحتاجه الجميع وبخاصة كبار السن، ومن لديهم أمراض مزمنة، ولا يعرفون مصير صندوق التكافل.

المرحلة المقبلة اعتقد أنها تحتاج الى نقيب متفرغ ومجلس قوي ومنسجم مع نفسه بحيث يعمل ضمن نسق واحد، بعيدا عن اي حسابات شخصية، يكون منطلقه العمل على خدمة الزملاء الذين يحتاجون الى النظر الى مطالبهم؛القوانين التي اقرت مؤخراً لم تكن في صالح الصحفيين، لا بل أنها وقفت في وجه طموحهم وبالذات ما يتعلق بتأسيس المواقع الالكترونية والرسوم الباهظة التي تفرض عليهم والتفرغ وغيرها من الامور، والآن يفترض ان نقف مع الزملاء في القطاع العام وتحصيل العلاوات التي يستحقونها، وكذلك عودة العلاوة للمصورين التي حرموا منها فيما غيرهم في السابق من استحقها.

واتساءل عن جائزة الحسين للابداع الصحفي التي يحرم منها زملاء كونهم نشروا مادتهم الصحفية على مواقع غير مسددة للرسوم، الى جانب حجب الجائزة عن المصورين دون أي مبرر ،وانا هنا لا اتدخل في الجائزة ، ولكن لا يجوز الغاء هذا البند من الجائزة وعلى الاقل أن تمنح مناصفة بين المتقدمين .

المفروض في هذه المرحلة بدلا ان تشكل اللجان لتعديل قانون النقابة، أن ينتفض الصحفيون وبالتشارك مع مجلس النقابة، الدفاع عن مصالحهم وحماية ما تحقق من منجزات، والمحافظة على هيبة النقابة وهيبة الصحافة في هذا البلد التي للاسف أنها تتراجع كثيرا، وتخفيف القيود على الصحفيين بفعل القوانين التي اقرت اخيرا، وهنا ادعو الى عودة وزارة الاعلام لان منصب وزير دولة لشؤون الاعلام غير مؤثر وغير فاعل، لا على المستوى المحلي ولا على المستوى الخارجي، واذا لم نبادر نحن بالاصلاحات، سنجد انفسنا على مفترق طرق؛ لا نعرف اين نتجه، متسائلين: ماذا تبقى لنا؟

مدار الساعة ـ نشر في 2019/08/05 الساعة 10:14