التوجيهي: من «بعبع» إلى «حمل» وديع

مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/28 الساعة 07:22
ضع دائرة حول الاجابة الصحيحة : هل تعتقد ان نتائج امتحان التوجيهي لهذا العام كانت : 1- تجربة ناجحة لقياس قدرات الطلبة وتقويمهم 2- محاولة لترضية المجتمع وتحسين المزاج العام 3- استحقاق لاضطرارات تتعلق بحاجة الجامعات الى موارد مالية افضل 4- بروفة مدروسة لكسر حاجز الخوف من التوجيهي.
مهما تكن الاجابة فان امتحان التوجيهي ارتبط منذ تجربته الاولى قبل 58 عاما بثلاثة خيارات تقلبت على مزاج الاردنيين ، وظلت تطاردهم مع كل موعد لاصدار النتائج : الاول فهم في سياق « المحاسبة « والتقويم ، والثاني استند لمنطق المعاقبة و»الفرز» ، اما الثالث فقد جاء على صيغة الترضية «والمكافأة» لترطيب الاجواء او لمنح شرعية للاستمرار في التجربة الجديدة.
تحتاج هذه الخيارت الى مزيد من التوضيح ، لكن قبل ذلك اسجل نقطتين : الاولى هي اننا بعد نحو ستة عقود على اجراء اول امتحان للتوجيهي لم ننجح بعد في تطوير تجربتنا، صحيح ان الامتحان مثّل - وما يزال - تقليدا وطنيا نعتز به ، ونتوافق على الحفاظ عليه ، لكن كان لابد من اجراء ما يلزم من مراجعات لتحريره مما اصابه من « تكلس « ، او جمود او تجاوزات ، سواء لاجل ترسيخ عدالته ، او لاجل دفعة لمواكبة العصر .
اما النقطة الثانية فهي ان الامتحان ليس فقط « مسطرة « لقياس اداء الطلاب وقدراتهم ، وانما لقياس اداء وزارة التربية وكل ما يتصل بها من مناهج ومعلمين وبيئة مدرسية ...الخ، وبالتالي فان اي نجاح او اي فشل ينصب على الطرفين معا ، لا اتحدث هنا فقط عن اخفاق الوزارة في تجارب سابقة ارتبطت بتسريبات الاسئلة، او انتشار الغش ، او غيرها من التجاوزات، ولا عن حالة التذبذب العام في نسب الناجحين من الطلبة في كل عام ، وانما عن العملية التعليمية والتربوية وكل ما افرزته من نتائج على مدى العقود الماضية .
اذا تجاوزنا خيار المحاسبة والتقويم الذي يفترض ان يكون الهدف الاساسي من اجراء الامتحان وفق معايير عدلة ومدروسة ، فان خيار معاقبة الطلبة او فرزهم على «مساطر» مزاجية ، سواء بدافع استعادة هيبة التوجيهي ، او لاظهار الحزم في الادارة او لمناكفة الجامعات ..الخ قدم لنا تجربة « بائسة « دفعنا ثمنها من خلال عشرات الالاف من الراسبين الذين القينا بهم الى الشارع، كما قدم لنا هذا الخيار « ملخصا « لاداء وزارات التربية والتعليم ومنظومة التعليم الاساسي بشكل عام ، فارتفاع اعداد الراسبين لا يتحمل مسؤوليته هؤلاء الطلبة فقط ، وانما تتحمله معهم المنظومة التعليمية كلها ، والمجتمع ايضا .
يبقى الخيار الثالث وهو ينسجم مع ما تركه الامتحان هذا العام من انطباعات لدى قطاع واسع من المجتمع، حيث فهم في سياق الترضية والمكافاة ، وقد عكس ذلك ارتفاع المعدلات بشكل غير مسبوق، يكفي ان نقارن بين اعداد الطلبة الذين حصلوا على معدلات فوق 91 بالمئة في الخمس اعوام الماضية ( 2015 - 2019 ) حيث كانت على التوالي ( 2013, 1154، 1670، 3912، 10545 ) اما اعداد الذين حصلوا على معدل 99 فقد كانوا في السنوات الخمس الماضية على التوالي ( 1، لا احد ، لا احد ، 2 ، 300) ولنا ان نتصور فقط كيف استطاع (300) طالب ان يحصلوا على معدل 99 فاكثر فيما لم تسجل السنوات الاربعة الماضية الا طالبا او طالبين حصلوا على هذه العلامة .
قد تبدو هناك اسباب معتبرة لا نعرفها تفسّرما حدث ، لكن مهما تكن فانها لم تقنعنا حتى الان بجدوى مثل هذه القفزة الهائلة في سلم العلامات ، ليست لانها صادمة وغير متوقعة، وانما لانها قد تعبر عن تحول «وهمي « لا يعكس حقيقة مستوى الطلبة والامتحان والتعليم بشكل عام ، وبالتالي فانها ستفتح المجال امام تبريرات اخرى لفهم ما حدث ، نرجوا من وزارة التربية ان تستبقها بما يلزم من توضيحات.
باختصار ، سواء اكان التوجيهي لمحاسبة الطلبة او لمعاقبتهم ام لمكأفاتهم وترضيتهم ، فان المطلوب ان نتحرك جميعا لمراجعة مسيرة « التعليم « في بلادنا ، ومن ضمنها هذا الامتحان الذي تحول فجأة من « بعبع « الى « حمل « وديع .
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/28 الساعة 07:22