عساف الشوبكي يكتب: يا بوي
بقلم: عساف الشوبكي
نسأل الله لك الرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
يابوي ، ياشخنا وعميدنا وياعمودَ بيتنا ، وحبيبنا ورفيقنا ، مايُصبّرنا على غيابك أنك كنت راكعاً ساجداً قائمَ الليل قانتاً نقياً صادقاً أميناً متواضعاً ومن أهل القرآن والمسجد وكنت سمحاً سهلاً ومُصلحاً ومقبولاً وصَّالاً للرحم ومحبوباً عند خلق الله وكريماً ندياً بلا حدود ولا تحمل هم الدنيا ولا هم الرزق فلا حول ولا قوة الا بالله.
مايهُوّن علينا فراقك يابوي انك كنت مجاهداً مِقداماً في باب الواد واللطرون وقلقلة وطولكرم وباب العمود وعلى أسوار الأقصى وفي باحاته، وفي ساحات الوغى والكرامة ، وكنت تتوق والله للشهادة وللصلاة في الأقصى محرراً، ولزيارة فلسطين وقد غادرها المحتلون وتخلصت من دنس الصهاينة.
ما يريح قلوبنا يابوي أنك كنت في رحلة المرض التي استمرت أحد عشر عاماً كبيراً شامخاً ومعطاء لم تهتز ، مقاتلاً مُنتصراً لم تنهزم، واثقاً بالله مُعترفاً بفضله ونِعمه ، ومدركاً أن الله اذا أحب عبداً ابتلاه ، كنت تعلمنا كيف يكون الرضا بقدر وقضاء الله ، فلم تتذمر ولم تنطق بأخْ من وجع ، ولم تتأوه ولم تتفوه الا بعذبِ الكلام ولم تتألم ولم تتجهم ولم تُقطب جبينك الجميل الوضاء ، فكنت مبتسماً فرحاً مصلياً صائماً تُعلمنا القوة والفرح وقبول الحياة بحلوها ومرها ، وحوّلت معاناتك الى حالة جميلة من الوئام والتلازم مع إن مع العسر يسراً ، والإنسجام والدفء والحنان ، حولتها الى حياة ملؤها الراحة والحكمة والسعادة والسرور والعطاء والنصح ونشر الفضيلة فكانت ذروة عطائك حبك للجميع وحبك للأطفال وللمساكين وحب الخير للقاصي والداني وسؤالك عن الصغير والكبير والبعيد والقريب والجار ذي القربى والجار الجُنُب والصاحب الجَنبِ.
يابوي كنت جبلاً راسياً من الصبر قوياً مؤمناً في مرضك كالطود الأشم واسداً جميلاً علمّنا الشجاعة والإقدام مؤمنا تنطق قرآناً وتشع نوراً واثقاً بكرم الله ومغفرته ورضاه تقياً نقياً متسامحاً محباً للناس كل الناس تجمع ولا تفرق رحيماً بالإنسان والحيوان كيف لا وانت الحاج المعتمر المعتني ببيوت الله المتصدق المزكي كيف لا وانت كنت تحمل في جيوبك الحبوب لبيوت النمل في سني المحل والقحط وتعلف الطير وتطعم الدواب والهوام.
كيف لا وانت تقف مع المظلوم ضد الظالم وتقف ضدنا عندما نخطىء ولم تجاملنا يوماً.
علمتنا يابوي ان الظلم ظلمات وأن لا مكان عندك لظالم اوحاسد اومنافق اومتكبر اوفاسق اومغتاب او اونمّام اوكاذب اومفرق للجمع او فتاّن او خائن او مفسد او طمّاع ، علمتنا ان التقوى أقوى وأنها ميزان ومعيار الكرامة وان المال يجب ان يكون حلالاً طيباً مباركاً وان رأس الحكمة مخافة الله ، وان نكون مع الله ولا نبالي.
يابوي كيف لا نصبر وقد استقبلت الموت بالتوحيد وانت تكرر لا اله إلا الله مبتسماً ،نضر الوجه، ندي الجبين، طيب الرائحة ناعم الملمس لين الجسد مريحاً كأنك حيُ ترزق.
كيف لا نصبر وقد وضعك الرجال في قلوبهم وحَملوك على أكتافهم وسار النعش بهم مسرعاً الى قبرك الذي نسأل الله أن يجعله روضة من رياض الجنة والذي أحاطت به قبور إثني عشر طفلاً، وقد شعيك آلاف المحبين الداعين الله أن ينقيك من خطاياك كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ونعاك وعزَّا بك عشرات الآلاف من الرجال والنساء الطيبين والطيبات من أُسرتنا الاردنية الواحدة ومن الاشقاء العرب، فجزاهم اللهُ خير الجزاء وشكر اللهُ سعيهم.
في آمان الله يا بوي وفي ضيافة الرحمن الرحيم الغفور الكريم، أكرم الأكرمين رب العالمين وهو وحده العفو ويحبُ العفوَّ، والكريم بعباده وسيكرمك إن شاء بجنانه بحوله وقدرته ومشيئته وعفوه ورحمته وغفرانه.
ابنك المشتاق
عساف عبدربه البركات الشوبكي