خلف وفضيحة المؤسسة الدولية
بات معلوما ومفهوما لغالبية دول وسكان العالم أن المؤسسة العالمية المتمثلة بهيئة الأمم المتحدة لم تعد تلك المدينة الفاضلة التي تلجأ لها الدول المستضعفة والشعوب المقموعة، ولم يعد لها دور حقيقي في منع الحروب أو جرائم الحرب أو الإقتصاص من مجرمي الحروب والدكتاتوريين العالميين، وهذا على ما يبدو ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الى الإيعاز بتخفيض الدعم المالي من حصة الولايات المتحدة المخصصة للأمم المتحدة، ونكوص المؤسسة الدولية عن واجبها جعلها محل انتقاد من شعوب العالم ومؤسسات حقوق الإنسان العالمية وكثير من دول العالم الملون.
في تقرير «الإسكوا» اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة، فُضحت الممارسات الإسرائيلية العنصرية التي تمارسها حكومات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني على الأرض، وهذا الإفتضاح ليس جديدا، والمنظمة الأممية لم تأت بجديد حتى، ولكنه اعتراف أممي بالسياسة العنصرية القائمة على القيّم الفاسدة لدولة بنيت على الهياكل العظمية وجماجم أصحاب الحق والأرض الأصليين، ورفضها الإعتراف بهم ومعاملتهم على أساس أنهم جنس بشري دوني، لا يمكنه التعايش مع العرق الأرقى المتمثل بالحاكم اليهودي في بلاد فلسطين.
وبسرعة المفاجئة بإعلان التقرير الذي يصف إسرائيل بأنها دولة تؤسس لنظام فصل عنصري، كانت سرعة ردة الفعل المتوقعة بالأوامر الصادرة للأمين العام للأمم المتحدة بسحب التقرير والتنصل منه والتنكر له، وهذا ما حصل عندما يأمر الأمين العام للأمم المتحدة، البرتغالي أنطونيو غوتيريس، بسحب التقرير وكل هذا حتى لا تغضب إسرائيل المفضوحة أصلا، والتي بات صيت جدار الفصل الذي بنته مثار انتقاد واتهام من قبل دول العالم المحترم وشعوبه.
د. ريما خلف بصفتها الرئيس التنفيذي للإسكوا، رفضت طلب سحب وإلغاء التقرير، وزادت على ذلك بأن قدمت استقالتها من المنظمة الدولية، ولم تنتظر لإسبوعين هي الفترة المتبقية لها على رأس عملها، بل صفعت المنظمة الأممية برمتها بكف الحقيقة التي يتجاهلها العرب خصوصا، وهم يلهثون وراءها لتحقيق أدنى الحقوق المعنوية فقط فيما يتعلق بقضاياهم المصيرية، ليس فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فحسب بل وفي ما جرى للعرب خلال العقود الثلاث الماضية، وما نتج عنه من إعادة العراق للعصور المظلمة ودمار سوريا اليوم وانهيار الدولة في ليبيا والفوضى في اليمن والحصار ضد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.
د. خلف تعرف أنها حتى لو كانت في بداية فترتها ولم تستقل فهي لن تسلم من الحرب الشعواء التي سيشنها أصدقاء إسرائيل وحلفاؤها الذين يخلصون للحكم اليميني المتطرف في تل أبيب أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وأكثر من اليسار والليبراليين الإسرائيليين الذين يعارضون بشدة سياسة معسكر نتنياهو المتطرف ضد العرب، وضحايا الأمم المتحدة كثيرون، كانت المنظمة سببا في مآسيهم أو شريكا في قرارات الحروب التي نشبت بسبب ضعف قياداتها ومؤسساتها وعلى رأسهم مجلس الأمن الذي بات مجلس حكم الدول الخمس على الكرة الأرضية، يعترضون كيفما يشاؤون ويقررون ما يشاؤون مع أو ضد القضايا العالمية.
استقالة الأمين التنفيذي للإسكوا ريما خلف يجب أن تكون شعلة ترتفع في ظلام الدكتاتورية الدبلوماسية العالمية التي تحكمت بمصائر دول وشعوب العالم الثالث والعرب تحديدا طيلة سبعين عاما، وكان الإنحياز فيها واضحا وفاضحا لصالح الدول العظمى ومصالحها ولإسرائيل في صراعها مع العالم العربي بعدم إلزامها بتنفيذ قرارات عفى عليها الزمن وبقيت أرقاما لا قيمة لها، فيما تمثل سياسة الأبارتايد الوجه الحقيقي والبشع لحكومات اليمين المتكالبة على الحكم في تل أبيب.
إن نظام الأبرتايد الذي ظن العالم إنه انتهى منذ سقوط حكومة البيض في جنوب أفريقيا 1992 ومنح الأفارقة السود حقهم التاريخي، يعود في وجوه جديدة، في القدس المحتلة، وداخل الكنيست الإسرائيلي وسياسة احتقار العرب وممثليهم ممن هم داخل الدولة الإسرائيلية، وتسريع سياسة إعلان إسرائيل دولة يهودية، والإستمرار في بناء المستوطنات على الأراضي العربية والقيود الإقتصادية التي تفرضها على الفلسطينيين، والقيام بعمليات حربية واستخبارية في دول مجاورة متى شاءت، كل هذا وأكثر يحقق صفة نظام الفصل العنصري لنظام دولة لايرى سوى نفسه في هذا العالم.
إن الفضيحة التي أوقعت رئاسة الأمم المتحدة مؤسستها فيها، يجب أن تنتهي، وعلى جميع ممثليها أن يتحلوا بالشجاعة الأدبية والأخلاقية للقيام بواجبهم الإنساني الحقيقي لا المُجيّر للأخرين.
Royal430@hotmail.com
الرأي