هيا... بنت أبويها

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/18 الساعة 23:17
منذ سنوات طفولتها المبكرة وصباها الأول, احتلت صاحبة السمو الملكي الأميرة هيا بنت الحسين مكانة خاصة في قلوب ووجدان الأردنيين, عبروا عنها بصور مختلفة, منها متابعة أخبار سموها ونشاطاتها, ومنها تزين جدران منازلهم بصورها. ولعل الأردنيين في ذلك كانوا وما زالوا يعبرون عن حبهم وامتنانهم لمليكتهم, أم الفقراء المغفور لها بإذن الله الملكة «علياء الحسين» رحمهما الله, التي قضت ذات ليلة عاصفة, وهي تتفقد أحوال الفقراء منهم في أقصى جنوب الوطن, تاركة لهم قطعة منها لتكمل فيهم مسيرة أبويها العظيمين الحسين وعليا, تواصلاً مع الأردنيين خاصة الفقراء منهم, تحيطهم بالحب, وتحفظ لهم كراماتهم, وتبر من خلال ذلك أبويها, وتحيي نهجهما في الناس. فهذه هي أخلاق الفرسان التي تربت عليها هيا بنت الحسين. فلئن كانت الفروسية هواية سموها في مطلع شبابها, فقد صارت في سنوات نضجها أخلاقاً وسلوكاً, يتجسدان إغاثة للمحتاج, وهل أكثر حاجة من فقير جائع يحتاج إلى من يسد رمقه, ومع سد الرمق يُسد ألف باب من أبواب الشر التي يفتحها الجوع, وأولها باب التطرف والإرهاب الذي يجد له بين الجياع مرتعاً وحاضنة خصبة, ولعل هذه واحدة من مآثر كثيرة تسجل لسموها أنها اختارت أسلوباً عملياً ناجحاً في محاربة التطرف والإرهاب من خلال سد باب واسع من أبوابه, هو باب الجوع, وتركت لغيرها التنظير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع, أمام هجمة التطرف والإرهاب التي يغذيها الجوع.

في حربها المعلنة على الجوع فوق أن سموها تبر بأبويها وتُحيي ذكراهما من خلال صدقة جارية, قال عنها رسولنا الأعظم محمد عليه السلام «إذا مات ابن آدم انقطع ذكره إلا من ثلاث صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له» وهل أعظم من إطعام الجائع صدقة جارية وقد قال عليه السلام « ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم به» فإنها تسير على درب الأنبياء والمصلحين في حربهم على آفة الجوع, الذي شكل تحدياً رئيسياً أمام الكثير من شعوب الأرض وأممها, لذلك كثرت أقوال الشعوب وأمثالها حول خطر الجوع من ذلك قولهم «أن الجوع يقتل الحب ويزرع الكراهية», مثلما قالوا أيضاَ «عندما يدق الجوع الباب يهرب الحب من الشباك» وقيل أيضاً «الحب يقهر أى شي إلا الفقر» الذي قيل أنه أم الجريمة».

لقد حذر العلماء والفقهاء والمصلحين في كل العصور وفي كل الحضارات من الجوع, لأنه مصدر الكثير من الآفات والمصائب الاجتماعية, لذلك قيل «إذا سافر الفقر إلى مكان ما قال الكفر خذني معك» ومثلما حذر العلماء والفقهاء من خطر الجوع, فقد كدح المصلحون لإيجاد حلول لمشكلة الجوع كجزء من حل مشكلة نهوض الأمم والمجتمعات ورقيها, لأن الجوع من أهم موانع النهضة والتقدم, فلا مكان ولا وقت عند الجائع للفكر والإبداع, وفي الأمثال قولهم « ليس للبطن الجائع أذن تسمع» لذلك صارت الحرب ضد الجوع هدفاً على رأس قائمة الأنبياء والمصلحين, من هنا تبرز عظمة وأهمية ما تقوم به صاحبة السمو الملكي الأميرة هيا بنت الحسين في حربها على الجوع, الذي نستطيع القول أنه الجزء الأكثر فاعلية في الحرب على التطرف والإرهاب, فمن خلال سد منفذ الجوع نسد أوسع منافذ الإرهابيين إلى شبابنا.

أن مما يزيد من أهمية ما تقوم به سموها أنه ليس مجرد فزعة, ورد فعل, أو بحث عن الأضواء, وليس نشاطاً موسمياً لكنه عمل يومي دؤوب يغطي كل مناطق المملكة في إطار مؤسسي دائم التطور على ضوء التجربة والحاجة, فمنذ أن أعلنت سموها عن تأسيس تكية أم علي عام 2003 ظل مشروعها الاستراتيجي لمحاربة الجوع يتطور, فأعلنت سموها عام 2013 المرحلة الأولى من مشروعها لمكافحة الفقر الغذائي, لتعلن عام 2017 عن المرحلة الثانية من هذا المشروع, والذي بموجبه ارتفع عدد الأسر المستفيدة من تكية أم على إلى 30 ألف أسرة قوامها 150 ألف شخص, وبموازاة ذلك كله أعلنت سموها مؤخراً عن إنشاء تكية « أبو عبدالله « لإضافة بُعد تنموي لمشروع مكافحة الفقر الغذائي, يتمثل في تدريب وتوظيف الأسر التي تخدمها التكية, والمنتشرة على امتداد خارطة الوطن, في إطار مشروع حضاري متكامل, التزمت سموها من خلاله بهدف القضاء على الجوع في مختلف أنحاء المملكة من خلال عمل مؤسسي صار نموذجاً يحتذى به.

خلاصة القول في هذه القضية: أن الشيء لا يستغرب من معدنه, لذلك فإن هذا الخير المتدفق من بين يدي سمو الأميرة هيا بنت الحسين نحو أهلها ليس بالأمر الغريب على أميرة هاشمية, هي ابنة الحسين وابنة الملكة التي فضلت أن تخرج لتفقد أحوال الفقراء في ليلة عاصفة على أن تستدفئ في قصرها, فاختارها الله إلى جواره وهي ساعية بالخير, لتكمل مسيرتها فلذة كبدها التي جعلت من استبدال الدمعة في عيون الفقراء ابتسامة على وجوههم هدفاً لها, فتحية لسموها ومن خلالها تحية إلى أهلنا في الإمارات العربية المتحدة الأقرب إلينا رحماً وخلقاً.

الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/18 الساعة 23:17