صندوق العروس

مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/19 الساعة 01:55

عرائس هذه الأیام لا یعرفن الكثیر عن صندوق العروس من حیث اصل الفكرة ودلالاتها وقیمة الصندوق ووظائفه. الصندوق الخشبي المزین بالصدف او النحاس كان اهم وأثمن التجهیزات التي تحرص اسرة العروس على ذكرها ووضع مواصفاتها في وثیقة الزواج التي یجري ابرامها. صندوق العروس هو فضاؤها الخاص ومخبأ الاسرار ومستودع الافكار. في الصندوق الملابس والمجوهرات وكل ما تثق به المرأة من مواد وادوات وتعویذات تساعد على إدامة جمالها وجاذبیتها. أمشاط العروس والمرایا وقواریر عطرها ومكحلتها واثواب الحریر والعقود والاحجار الكریمة وخاتم الجدة وقمیص النوم المفضل ووصایا أمها وهدایا خالاتها وأعمامها.

العرائس یذهبن برفقة الامهات الى متاجر القماش والحلي والمجوهرات والتجهیزات الخاصة بلیلة العمر وشهر العسل ففي عمان وعلى مقربة من سوق الذهب كانت دكان السعادة في قلب العاصمة. هذا المتجر الذي تأسس في عشرینیات القرن الماضي كان اول المتاجر التي تخصصت بتجهیز العرایس لیصبح معلما من معالم المدینة الامر الذي دفع ببلدیة عمان اطلاق اسم الدكان على الشارع المعروف الیوم بشارع السعادة.

بعض العرائس من اصول شامیة وشركسیة وبدویة كانت تشتري التجهیزات لصندوقها من الشام حیث اسواق الحریر والصناعات الحرفیة التي توارثها الدمشقیون جیلا بعد جیل. في اغاني التراث الشعبي كانت النسوة یتباهین بأن صنادیق الجمیلات قد جرى تعبئته في الشام.

في صیف 2009 كان افتتاح مهرجان الأردن على المدرج الروماني بعمان وكانت البلاد تعج بالفرح الممتد على طول الارض وعرضها. الفعالیات الفنیة والثقافیة اشغلت مسارح المدن وساحات القرى والمیادین العامة شاركت فیها عشرات الدول الاوروبیة والعربیة والافریقیة.

والرسامون من الیابان الى البرازیل انشغلوا في انتاج اعمالهم التي أهدیت الى الأردن وأودعت الى معرض الفن التشكیلي.

في الأردن احلام جدیدة بنهضة فنیة ثقافیة. الاحلام جرى الاحتفاظ بها في قلوبنا وعقولنا كما تحتفظ العروس باحلامها التي تودعها في صندوقها مع كل ثوب جمیل ومع كل قطعة او تحفة او كحلة او قصة طوتها في دهالیز هذا الصندوق.

احلام الأردنیین بالحب والسعادة والفرح مثل احلام العروس التي تتمنى ویتمنى معها الجمیع الا یجري اغتیالها على ایدي من لا یعرفون تراث الصنادیق وعمق تعلق العرائس بها.

یعرف الصیف في بلادنا بحلاوته وجمال ایامه. الشعراء تغنوا به فها هو الشاعر سعید عقل یتغنى بصیف الشام ”شآم اهلوك احبابي فموعدنا.. اواخر الصیف آن الكرم یعتصر... نعتق النغمات البیض نرشفها.....ألخ“.

شمس الصیف الجاف تكون الاكثر وهجا واشعاعا فتأتي على كروم القرى وبساتین الاریاف تحولها الى جنان من الفاكهة والخضرة التي تستثیر في النفوس معاني الخصب والانتماء والعطاء. آلاف الاسر الاردنیة تعود للاستمتاع بموسم القیض الأردني مع الاهل والاقارب لیتجولوا في ربوع البلاد ویستذكروا ایام الطفولة ویدیموا علاقة الابناء بالاهل والارض والثقافة.

منذ عقود دأبت الهیئات الثقافیة وإدارات المدن وبعض الوزارات على اقامة وتنظیم المهرجانات الفنیة والثقافیة والترفیهیة والكرنفالات السیاحیة الرامیة الى احیاء الثقافة وتطویر الفن واستقطاب السیاحة.

في كل عام ینشغل الناس باحتفالات التخریج التي تبدأ مع نهایات ایار وتستمر حتى منتصف آب بلا توقف. الولادات الجدیدة وافراح الخطوبة والزواج تضیف الى عشرات آلاف الاحتفالات التي تقیمها الاسر لابنائها الخریجین. ومع كل ذلك ما یزال الفرح غائبا والمستقبل مقلقا كما هو مستقبل العروس التي اخفت الاحلام في صندوقها.

الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/19 الساعة 01:55