13 دقيقة من البوح الملكي
مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/17 الساعة 23:44
بقلم: د. خلف الطاهات *
في مقابلة غير مسبوقة لجلالة الملك مع طلبة من كلية إعلام جامعة اليرموك والأردنية بثتها صفحات التواصل الاجتماعي للجامعات ووسائل الإعلام الأخرى كشف خلالها الملك ولأول مرة عن محطات وذكريات مهمة من حياة جلالته الشخصية، وهي مقابلة تخرج عن الأنماط الصحفية والإعلامية من المقابلات والحوارات المعهودة والتقليدية والتي تجرى مع الشخصيات البارزة والمسؤولة وصناع القرار والتي عادة تركز على مواضيع هامة وآخر تطورات الأحداث كما وتركز على الشأن العام وابرز القضايا الضاغطة المتداولة محليا وإقليميا ودوليا.
ويمكن استلهام عدة رسائل منها المباشرة والصريحة ومنها يمكن استيعابها من ثنايا وسياق المقابلة أريد لها ان تصل للرأي العام والشباب والمسؤولين في صنع القرار يمكن إيجازها تباعا.
فعفوية المقابلة وطبيعة الموضوعات المطروحة تكشف حرص جلالته على إشراك أبناء شعبه بذكريات خاصة لم يسبق ان تناولها خارج الدائرة المقربة منه. واذكر أثناء عملية الترويج للفيديوهات القصيرة للمقابلة منذ عدة ايام، والتي خلقت حالة من التشويق والترقب للاطلاع على كامل المقابلة، وردتني اتصالات واخرى تعليقات على السوشيال ميديا تتساءل: دكتور ليش طلابك ما وجهوا أسئلة تتعلق بالمواضيع الساخنة سياسة واقتصادية واجتماعية كون اللقاء مع جلالته فرصة للطلبة لطرح مثل هذه القضايا؟
وباختصار شديد .. كلنا يعلم ان مواقف جلالته معلنة ولا يزاود احد على وضوح الموقف الملكي من جملة أحداث يعيشها الأردن والإقليم والعالم..ولا يترك جلالته أية مناسبة ومنها لقاءاته الاجتماعية وزياراته الميدانية الى الأهل والعشيرة في مختلف المحافظات إلا ويستثمر جلالته مثل هذه اللقاءات ويشارك أبناء شعبه مواقفه مما يجري داخليا وخارجيا..ومن الأمثلة القريبة لقاء جلالته مع الأهل في الزرقاء مرتديا اللباس العسكري أطلق لاءات الثلاث المعروفة فيما يتصل مما يسمى بصفقة القرن و أحاديث عن ضغوطات خارجية على الأردن بهذا الملف. ومن قبل بين الاهل والعشيرة في الرمثا ركز جلالته على أهمية تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي من خلال تنشيط حركة النقل والتجارة بين الأردن والعراق وكذلك سوريا، وغيرها الكثير الكثير من اللقاءات والمقابلات والزيارات الملكية التي يحرص جلالته على مشاركة ابناء شعبه الهم الوطني.
نعم..الهم الوطني والقضايا الكبيرة دائمة الحضور في لقاءات جلالته وزياراته ويمكن بطريقة علمية الرجوع الى الموقع الرسمي لجلالة الملك على الانترنت وإجراء تحليل مضمون لطبيعة الموضوعات التي يتناولها جلالته في كل لقاء او زيارة سواء أكانت رسمية او غير رسميه (البطالة..الفساد..التنمية..الإرهاب..الشباب..القضية الفلسطينية..العلاقات الخارجية،،غيرها).
جلالة الملك ببساطة لا يحتاج الى منصة إعلامية لإبراز مواقفه ومواقف الأردن السياسية من الموضوعات الداخلية والخارجية..بل الفكرة الأهم ان جلالة الملك بما فيه من تواضع وإنسانية أراد ان يراه الناس كما هو كشخص وإنسان لا كملك ومسؤول. يريد- في ظني- ان يراه الناس كأب لأسرة ووالد يتابع أبناءه وزوج يهتم لشؤون عائلته ورفيق سلاح يحزن بألم لاستشهاد احد رفقاء السلاح في حرب الأردن على الإرهاب دفاعا عن الوطن، باختصار أُريد من هذه المقابلة ان يرى الأردنيون مليكهم وقائدهم بأحاسيسه ومشاعره و دواخله فقط!!
وهذا النمط من اللقاء الإعلامي المعروف في أبجديات الأكاديمية الصحفية بحديث "عرض الشخصية" يركز على فكرة "البوح" وإبراز المشاعر لا الموقف والكشف عن ذكريات لم يسبق ان شاركها جلالتها مع آخرين خارج أسوار أسرته الصغيرة..ومحاور اللقاء وطبيعة الأسئلة الشخصية والخاصة ما هي إلا تأكيد على إبراز هذا الجانب من حياة جلالته، مثل حديث جلالته عن علاقته الراحل الحسين بابنه سمو ولي العهد الأمير الحسين، وكذلك عن مواقف أزعجت جلالته وأخرى جعلته سعيدا..وعن مفهوم أكثر الصفات التي يحبها بالإنسان وكذلك التي تزعجه!
ان اختيار جلالة الملك للطلبة من جامعات أردنية ليشاركهم جزء من حياته الشخصية وذكرياته العائلية الخاصة بهذه الأريحية وبأجواء كبيرة من الأسرية هي الرسالة الثانية ، وفيها تعزيز الثقة بالشباب ودعما لطموحاتهم وتبنيا لمؤهلاتهم ودفعا بهم للواجهة.. ولعل تعبيرات جلالة الملك وابتساماته خلال اللقاء والإعجاب بطبيعة الأسئلة دفعت جلالته للاسترسال أكثر في البوح وهذا ينم عن خلق حالة من التفاعلية بين جلالته والشباب. لا شك ان البوح الملكي لطلبة من اليرموك والأردنية هي رسالة تنم عن حجم الثقة الكبيرة والمطلقة من جلالة الملك بشباب الأردن ورهانه الدائم على ان هذا الوطن ينهض بهمتهم ويكبر بطموحاتهم.
ونحن في جامعة اليرموك وكلية الإعلام التي تعتبر اكبر رافد لسوق الصحافة والإعلام أردنيا وعربيا نفخر ونشعر بغبطة كبيرة وسعادة غامرة ان منحنا هذا التشريف الملكي لاختيار طالبات من كلية اعلام اليرموك لإجراء هذا اللقاء الملكي الخاص، وهو رسالة ملكية للأدوار والمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق هذا الجيل الجديد من دراسي الصحافة والإعلام لخدمة رسالة الدولة الأردنية بفهم عميق ورؤية واضحة تحترم الحقيقة وتقدمها في سياق تكنولوجي يتماهى مع تطورات العصر وبأدوات تطفي الإشاعة وتنظر للنصف المليء من ألكاس.
اللقاء ومضمونه هي أيضا رسالة غير مباشرة الى المسؤولين وصناع القرار بأهمية انتهاج سياسة الانفتاح والمكاشفة في عملية صنع القرار وتحمل المسؤوليات..ورسالة الى ان يتصالحوا مع ذاتهم والقيام بواجباتهم في خدمة الناس والحرص على المصلحة العامة وتقديمها على اية مصالح شخصية..وهي رسالة للمسؤولين بأننا نعيش اليوم في عالم مفتوح ومتداخل في السوشيال ميديا ..عالم يتحدث فيه الصغير والكبير بكل صغيرة وكبيرة..مناسبات رسمية وخاصة.. عالم يتشكل فيه الرأي العام بلحظات يتحول فيه موقف عابر الى أزمة وقضية رأي عام اكبر من استيعابها او احتوائها الا بمزيد من الشفافية وردم فجوة الثقة التي تتسع يوما بعد يوم ما بين المواطن والمسؤول.
في الختام، واضح جدا لمن يتابع أداء إدارة الإعلام في الديوان الملكي ان ثمة أسلوباً مختلفاً ونمطاً جديداً من أساليب التواصل والتوظيف الإعلامي يوازن الإعلام التقليدي بالجديد..وينم عن متابعة ورصد فعال وتحديد دقيق للبؤر الحقيقية لمواطن تشكيل الرأي العام في عصر الصحافة الرقمية.وهذه الاستدارة في آليات عمل إعلام الديوان الملكي وانتهاج أساليب لتقديم صورة مؤسسة الحكم بشكل جديد غير مسبوق دليل على نجاح التخطيط الفعال وتوظيف امثل للأدوات الإعلامية في زمن متغير!!
* رئيس نقابة الصحفيين الأردنيين/ فرع الشمال
مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/17 الساعة 23:44