تحليلات سياسية أم مواقف شخصية..؟
مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/17 الساعة 03:44
بتنا نشهد صعوبات متفاوتة في تقييم الاحداث السياسية الاقليمية والعربية ( واحيانا الوطنية، وبدرجة اقل الدولية ) وفهمها ومتابعتها في ظل غياب التحليلات والدراسات والابحاث العلمية والموضوعية والحيادية، والمفاهيم والمقاييس الواضحة التي يعول عليها في فهم ذلك، حيث بات علينا ان نقرأ او نتابع وجهات نظرة اعلامية وسياسية واكاديمية عربية شخصية، حتى اصبحنا نعرف الموقف من هذه الاحداث سلفا، وبمجرد ان نعرف صاحبه او عنوان مقاله او موضوعه او طرحه.
وهذا الوضع الذي تزخر به وسائل الاعلام العربية تحديدا من صحافة ومواقع اخبارية وبرامج اعلامية حوارية ومنصات تواصل، يتم التعاطي معها كمنابر ومنصات اعلامية خاصة، تعكس اراء من يعتليها، وهو يغدق علينا بارائه ومواقفه الشخصية، ويريدنا ان نتعامل معها كتحليلات موضوعية وحقائق لا يملكها الا هو، بحيث يطلب من القراء والمتابعين والطلاب والباحثين تصديقها واعتمادها والاخذ بها. يتضح ذلك في القضايا والاحداث التي تشهدها الساحتين العربية والاقليمية، والتي تعكس التناقض والتباعد في المواقف، حتى يخيل لك وانت تتابع بعض المقالات والكتابات والتعليقات والحوارات المتعلقة بها، انك تتابع معركة كلامية او (مواقفية ) بادوات ( واسلحة) اعلامية عربية مختلفة قد تصل حد الردح والشتم والاساءة، تصب نتائجها في مصلحة من يكنون لامتنا العداء، والذين امكن لهم توظيف هذه الخلافات والتناقضات في تمرير اجنداتهم وتثوير اجواء النقاشات وشحنها بالمزيد من الفتن والعداوات بين الشعوب العربية نفسها، التي اثبتت وسائل الاعلام المختلفة عدم توافقها على قضاياها واولوياتها، مما جعل من مشوارها لنصرة بعضها طويلا وشاقا.. بدليل ما تشهده الساحة العربية في هذه الايام من خلافات وانقسامات اشرت الى تلوث الاجواء العربية بالمواقف المتضاربة والمتضادة التي تحتاج الى اجيال واجيال لمحو اثارها السيئة والمدمرة.
ويكفي ان تطرح قضية للنقاش متعلقة باطراف ودول عربية وببعض قياداتها حتى، لتكتشف حجم المأساة التي تعاني منها الشعوب العربية. الامر الذي يجري توظيفه بخبث ودهاء من قبل اطراف اخرى تتربص بامتنا ولا تريد لها الخير، مستغلة وجود بيئة داخلية مهيأة لذلك، حتى من خلال شرائح يفترض انها واعية ومتعلمة وتعي ما يحاك لهذه الامة من مؤامرات، كاصحاب بعض الاقلام والمنابر الاعلامية العربية، التي سرعان ما تتحول الى ادوات وجسور تسهم في دخول الاجندات المشبوهة والمسمومة الى ساحتنا، لانها تجد فيها ما يؤيد ويعزز موقفها في مواجهة مواقف عربية اخرى يتم التعامل مع اصحابها كاعداء، حتى تحول الصراع في ساحتنا الاعلامية من صراع عربي - اسرائيلي الى صراع عربي - عربي بات الحديث والخوض فيه يفوق بكثير وبعدة مرات الحديث عن صراعنا مع العدو الاسرائيلي، الذي تراجع الى مراتب متأخرة على سلم اولوياتنا واهتماماتنا التي باتت منصبة على مشاكلنا وخلافاتنا العربية. وقد تجد بعض الاعلاميين يمتطي وسائل الاعلام المختلفة، ليفرغ ما بجعبته من اساءات وافتراءات بحق اطراف معينة، لحساب جهات يعمل لحسابها، حتى لو اقتضى الامر الزج ببلده واقحامه واحراجه بفعل عنترياته التي تفوح منها رائحة القبض والرخص.
ومن اللافت ايضا، انتقال عدوى هذه الظاهرة المقلقة من الاعلام الى المؤسسات التعليمية والاكاديمية العربية ايضا خاصة الجامعات، وفي مجال الدراسات السياسية، عندما بات على الطالب الجامعي ان يلتزم بموقف مدرس المادة ورأيه ( وتحليله ) بشأن الاحداث الجارية مثلا، ويأخذ به ويتعامل معه كحقيقة وكواقع وكمادة وكمرجع دراسي عليه اعتماده، واذا ما خرج عن هذا المسار التعليمي التلقيني الشخصي الذي حدده له المحاضر، فربما ينعكس ذلك عليه على شكل عقوبة في علامة الاختبار. ما يذكرني بالسؤال الذي طرحه علينا دكتور المادة خلال مرحلة الدراسة الجامعية في الامتحان المتعلق بمادة لها علاقة بالقضية الفلسطينية، ويدور حول موقفنا كطلاب من مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية، وما اذا كنا معها او ضدها، وذلك خلال الاستعدادات الاقليمية والدولية لعقد مؤتمر مدريد، حيث كانت الاجابة الصحيحة والمعتمدة لديه، هي تلك التي تعكس موقفه المعارض لهذه المفاوضات، اما الموقف او المواقف الأخرى التي تتعارض مع طرحه، فلا قيمة لها وجرى التعامل معها كاجابات خاطئة . وبات علينا ان نتساءل عن الكيفية التي تتعامل معها الجامعات مع القضايا المعاصرة والاحداث التي تشهدها المنطقة والعالم كمادة دراسية يتم تقديمها للطالب بعلمية وموضوعية، بعيدا عن مواقف المحاضر الشخصية منها.. وكيف لنا تأمين او توفير مراجع او مصادر تعليمية موثوقة يمكن ان نستند لها في دراستنا وابحاثنا، لنفهم ونستوعب ما يجري حولنا بنظرة فكرية وتحليلية مجردة، بحيث يتم التعاطي معها من قبل مدرس المادة كمرجعيات معتمدة، حتى وان كانت مغايرة او معارضة لوجهة نظره الشخصية.. لكي نضمن توفير اجواء تعليمية جادة وحقيقية ومتماهية مع طبيعة التعليم الجامعي ودوره في حفز ملكة الابداع والبحث والتفكير عند الطالب، بما يسهم في تنمية مهاراته وقدراته التعليمية والمعرفية والفكرية، والذي هو بمثابة التحدي الذي يواجه الصروح الاكاديمية في تعليم الطالب في هذه الايام، التي تراجعت بها لغة البحث والحوار والتحليل، لصالح التعليم الجامد والصامت والجاهز والمعلب والمحوسب، لدرجة اننا لم نعد نشعر بوجود فرق بين التعليم المدرسي والتعليم الجامعي الذي يعول عليه كثيرا في احداث الفرق، وبما يسهم بصقل شخصية الطالب، واكسابه المهارات والقدرات التعليمية والبحثية والنقاشية المطلوبة، ويتماهى مع اساليب التدريس والتوجهات التعليمية والاكاديمية الحديثة والمتطورة التي تركز على حفز ملكة الابداع والتحليل والتفكير والحوار والنقاش والبحث والاستنتاج عند الطالب اليوم.
الدستور
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/17 الساعة 03:44