هل أخطأ وزير التربية..؟

مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/15 الساعة 05:57
كمن يكتب وصفة للتشخيص او لصرف ما يلزم من ادوية، غرّد وزير التربية والتعليم لتقديم الشكر للقائمين على تصحيح امتحان التوجيهي. المفارقة انه نسي ان يذكر « المعلمين « بالاسم، فأدرجهم في قائمة».. وغيرهم «، لكنه فورا اعتذر وصحح التغريدة.
اذا تجاوزنا فضيلة الاعتراف بالخطأ والعودة عنه، وهي تستحق الاحترام والتقدير، فان ما كتبه الوزير عند مخاطبته المعلمين دون ان يذكر اسمهم ليس فقط مجرد خطأ غير مقصود، وانما صورة مطابقة تماما لخطاب كثير من المسؤولين في بلادنا، هؤلاء الذين ألفوا التعامل مع المواطن كرقم في الاحصائيات الرسمية، او كمكلف بدفع الضرائب، او كموظف و مستخدم يمارس وظيفته المطلوبة مقابل اجر يتقاضاه.
للانصاف فان حكومة الدكتور الرزاز حاولت ان تتجاوز هذه « النمطية « في الخطاب، وان تتعامل مع المواطنين وتخاطبهم بـ»ما هو احسن «، وكنت قد اشرت في مقالات سابقة عن منطق تحسين الصورة التي انتهجتها هذه الحكومة ودعوت وقتها الى تحسين « الاصل « ايضا.
اعرف ان تحسين» الاصل « وتعميم النموذج المطلوب « للخطاب « الحكومي يحتاج الى وقت، واعرف ايضا اننا قطعنا اشواطا لا بأس بها لتجاوز منطق « الاستهانة « التي كان يتعامل بها بعض المسؤولين مع الناس، لكن حين تتعلق المسألة بقطاع المعلمين الذين ندين لهم بكل ما وصلنا اليه في مواقعنا، اجد - وربما غيري ايضا - ان المسالة بحاجة الى ما هو اعمق من التصحيح والاعتذار، اقصد الى مراجعة شاملة لتعاملنا مع هؤلاء « الاساتذة « المحترمين من كافة الجوانب، وليس رد التحية لهم بمثلها فقط، ولا بمخاطبتهم باسم المهنة الشريفة التي ينتسبون لها.
ربما يحاججني احد القراء بان المسالة « زلة لسان « او « سهو غير مقصود» وردي ان هذا قد يكون صحيحا، و استطيع ان اؤكده لانني اعرف عن الوزير واحترامه لكل المواطنين لا للمعلمين فقط، لكن مهما تكن المبررات، فان ما جرى فهم في سياق اخر، مباشر او رمزي، كما انه استعاد « ذاكرة « محملة بالتهميش الذي عانى منه المعلمون على مدى عقود ماضية.
عتب المعلمين هنا مشروع، وتصحيح الوزير مقبول ايضا، لكن المهم ان يكون ما حدث فرصة لنتعلم اولا (خاصة المسؤولين) كيف نخاطب بعضنا بعضا، وكيف نحترم انفسنا والاخرين، والاهم كيف نعمل على اعادة مهنة التعليم الى مداراتها المقدسة، وعلى اعادة المعلم « الرسول « الذي يفترض ان يكون عنوانا لنهضتنا، وعلى تجاوز «عقدة « بعض المسؤولين الذين يخاطبون الناس من فوق، ويظنون ان دورهم محدد في ان يأمروا وعلى الاخرين السمع والطاعة فقط.
لا بأس، حصل خير، ومن اخطائنا نتعلم دروسا يفترض ان تكون ثمينة في اصول التعامل والخطاب وفي اصول الفعل والسلوك ايضا مع كل الاحترام لوزير التربية والتعليم اعتقد مرة ثانية انه لم يقصد ابدا الاساءة والى المعلمين الذين فهموا الرسالة في سياق العتب ربما او في سياق « الذاكرة « المحملة بالاحاسيس... بحقهم او عدم رد التحية لهم بأحسن منها.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/15 الساعة 05:57