انثروا الكتب على المدرجات
هذه المرة الاولى في تاريخنا الذي اعرفه، يخرج فيها عشرات الالاف من الناس (معظمهم من الشباب ) للحصول على كتاب، او لحضور مهرجان قراءة، معليش، حدثت بعض الفوضى والارتباك نتيجة الازدحام او الحماس لتنفيذ الفكرة ( فكرة ازبكية عمان) لكن ما فعلته وزارة الثقافة بالتعاون مع امانة عمان يستحق الاحترام فعلا، كما يستدعي التعميم ايضا .
نثروا الكتب بعشرات الالاف على مدرجات «الروماني»، واعادوا الى ذاكرتنا التي كاد الكتاب ان يتنحى عنها او يستقيل منها قيمة حضارتنا التي نهضت من بين دفتي» كتاب»، وان رسلنا الى العالم كانوا مؤلفين وعلماء وكتابا : ابن رشد والفارابي والغزالي وابن سينا وابو الوفا البوزجاني والبيروني والغرغاني والخوارزمي وابن حيان والرازي وابن هيثم ..وعشرات غيرهم ممن تحتفي بهم حتى اليوم اعرق الجامعات الغربية.
تحتاج ذاتنا العربية المجروحة بفعل ما جرى على ضفاف امتنا من نكسات وهزائم، وانحسارات وصراعات، ان نعيد الاعتبار والثقة اليها، تحتاج لمن يخرجها من هذا البؤس الذي اختزل وجودها وحضورها في حزبي اللعب والطرب فقط، الى تسجيل حضورها من جديد في حزب «القراءة»، فليس قدرا عليها ابدا ان تظل مدرجة في قوائم « الامية» الابجدية والحضارية، ولا ان تدفع فاتورة رداءة التعليم والمعرفة، ولا ان تظل محاصرة بما يأتيها من بضائع ثقافية مغشوشة، او مقيدة اليدين «والبصيرة» امام شاشات تنتزع منها «الدهشة» وتسوق اليها ثقافة الاستهلاك.
يكفي ان نحتفي بالكتاب والثقافة والمعرفة لكي نقدم لانفسنا،قبل ان نقدم للاخرين، صورتنا الاصيلة والحقيقية، فقد تم «تنميطنا « للاسف باننا «امة لا تقرأ «، ولا تبحث، ولا تتقن الانتظام بالطوابير، ولا تنتج المعرفة، ولا تقيم وزنا للانسان، هذا بالطبع قد يكون صحيحا، لكن لدينا صورة اخرى تواطأنا جميعا على اخفائها، وقد جاء الوقت لنراها في المرآة، وان ندرب اجيالنا على استحضارها والاعتزاز بها، وهي سورة « اقرأ باسم ربك الذي خلق « كمرجعية شكلت انبعاثنا الحضاري الاول، وكونت شخصيتنا العربية التي تحررت من كل القيود والاغلال، وهي اليوم تشكل الدليل الحقيقي لاي نهضة ننشدها في المستقبل.
نعم، فرشوا الكتب على مدرجات الروماني، هذه خطوة اولى في طريق طويل اتمنى على وزير الثقافة، د.محمد ابو رمان، ان يمشي عليه في خطوات اخرى تشمل كل المحافظات، واقول له، لا تعتذر يا صديقي عن اخطاء حصلت، فمن التجربة تخرج تجارب اخرى انضج واعمق، فالناس في بلادنا لم تتعود بعد على نثر الكتب في الشوارع والممرات لتلتقطها «بحكمة» بعد ان ارهقتها سنوات التزاحم من اجل الحصول على دعم رغيف او»طبق» بيض او»بطاقة» بنزين، الناس تتعلم بالتجربة، وخير من يعلمها «الكتاب».
قديما قال الخليفة عمر بن عبدالعزيز :» انثروا القمح على رؤوس الجبال لكي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين»، اما وانه ليس لدينا ما يكفي من قمح لنفعل ذلك، فليس اقل من ان ننثر الكتب فوق المدرجات وفي الشوارع والازقة والمكتبات، لكي لا يقال «جهل» مواطن في بلادنا، او بقي «أميّ» او محتاج لم يجد في جيبه دينارا لشراء كتاب.
الدستور