مذبح الجامعات ومسلخ الخصخصة
لا يقتصر التجريف الوطني على الجامعات وحدها او التعليم الخاص بمستوياته الاكاديمية من المدرسة الى الجامعة , فنحن وصلنا الى مرحلة باتت المراجعة فيها الزامية حتى لا نصل الى الانهيار , فالتردي عام وجارف , من الخدمات الى الاقتصاد الى السياسة وباقي مفاصل الحياة الاجتماعية , رغم كل اشارات الخطر وصافرات الانذار القادمة من البوادي والقرى والمخيمات والمدن على حد سواء , فالجريمة موجودة والاعتداء على المال العام والممتلكات العامة بأعلى تجلياتها والاحباط سيد الموقف . طبعا لا يخلو الامر من محاولات لاحياء الامل وبعث التفاؤل , لكنها محاولات خجولة ومتقطعة ولا تحظى بدعم مجتمعي , بعد ان اغلقت المؤسسات الرسمية اذانها وعيونها , وقدمت لانصار تيار الاحباط والتطاول كل اسباب القوة , وسيقول قائل الحكومات والاجهزة الرسمية لا تقوم بواجبها وتتطاول على البلاد والعباد وتقدم اسوأ نموذج في الادارة وهذا صحيح , لكن المجتمع الاردني بدوره لم يقدم ما يعاكس ذلك وقبلنا عن طيب خاطر كل الرداءة في الخدمات , فنحن توسطنا للابن كي ينجح في المادة ومارسنا كل ادوات الضغط على الاستاذ الجامعي من اجل علامة نجاح وقمنا باستثمار النواب لاسوا المهمات على الاطلاق , ثم لعناهم . لنعترف امام التاريخ باننا كنا جزءً من المشكلة ولسنا طرفا في الحل , نحن الذين فرحنا بتعيين اين العشيرة او المنطقة او البلدة وصرفنا له كل الالقاب واشكال التهاني حد ان المنصب يزهو به , فقبل المسؤول التشريف ورفض فكرة التكليف , ونادينا بضرورة ان يتم تعيين ابن العشيرة او المنطقة بصرف النظر عن التنافسية والنزاهة والعدالة , فمنحونا مطلبنا وسرقوا باقي المواقع والمناصب , حتى بات المنصب الاكاديمي خاضع للمحاصصة والملاصصة , فمجلس امناء الجامعة معادلة جغرافية معقدة , وكذلك باقي المراتب الاكاديمية داخل الحرم الجامعي , توسطنا لاصحاب المشاجرات وللمفصولين اكاديميا , واليوم نبكي على التعليم الجامعي . باتت المطالب المناطقية بانشاء الجامعات في المحافظات مثل المطالب الخدماتية بالماء والهرباء وتعبيد الطرق , فلماذا تحتضن هذه المحافظة جامعة ولا تحتضن الاخرى , وجرى توزيع الجامعات على المحافظات كهبات وتنفيعات واليوم نبكي تردّي المخرجات , فهل كان المأمول من جامعات غير متخصصة وبدون رؤيا او استراتيجية ان تمنحنا كفاءات ومخرجات تعليم تتلائم وسوق العمل , نعرف جميعا الجواب , فما الفارق بين جامعة الطفيلة وجامعة معان وجامعة مؤتة الجناح المدني وكلها في محافظات الجنوب الواقعة تحت الفقر والقهر , وما هي القيمة المضافة التي قدمتها جامعتي ال البيت والهاشمية بعد اليرموك والتكنولوجيا لمحافظات الشمال . حتى لا يتسرع كثيرون , اليرموك كانت قصة نجاح مذهلة بحكم اسهامها في تغيير البنية الاجتماعية لمدينة اربد وشكل الاستثمار والحياة فيها , وبحكم تخصصية جامعة العلوم والتكنولوجيا نجحت الفكرة الثانية , قبل ان نغرق المحافظات بجامعات لم تحقق المأمول ولولا مهارة رئيس الجامعة الهاشمية لبقيت الجامعة كما ال البيت , فاصلة عشرية , وموقع تنفيع لنخب المحافظة وقواها السياسية والاجتماعية ونسخة عن المحاصصة المقيتة التي اودت بالحياة العامة الى التهلكة . استفادت الحكومات من اغراقنا بالجامعات كمطالب تنموية مقابل سرقة ونهب كل مواردنا الذاتية , فالاردني قدم الارض والمدخرات رخيصة من اجل تعليم الابناء ذكورا واناثا , والنتيجة بطالة وتخصصات راكدة ومشبعة , قبل ان يستثمر القطاع الخاص بتحالف مع طبقة سياسية في سرقة باقي اموالنا في الجامعات الخاصة والمدارس الخاصة التي توالدت كما الارانب في كل مكان فكل جامعة خاصة استعانت بسياسي مخصخص يسر لها امورها فوصلنا الى ما وصلنا اليه , لن نجلد جامعاتنا الرئيسة التي نفتخر بها مثل الاردنية واليرموك والتكنولوجيا ومؤتة العسكرية , ولن ندرج جامعات خاصة مهمة مثل سمية والالمانية في عجلة الخصخصة , كما لن ننكر التطور في البلقاء التطبيقية والطفيلة التقنية بعد استرداد الوعي والاسم والجسم ولكن ما زال الغث اكثر.
الانباط