تحدّيات صناعيّة مُلحّة
الكاتب: سلامة الدرعاوي
اجتماعات اللجنة العُليّا الأردنيّة المصريّة في القاهرة كانت هذه المرّة لها نَكهة خاصة بعد أن طَرَحت على أجندتها مَشاكل القِطاع الصناعيّ والمصدّرين الأردنيين بشكل غير تقليديّ وعلى غير ما هو مُتعارف عليه في مثل هذه الاجتماعات التي دائما ما تُغلفها البروتكولات والدبلوماسيّة والحِوارات والخطابات.
رئيس غرفة صناعة الأردن المهندس فتحي الجغبير المُشارك في اجتماعات اللجنة العليّا خرج هذه المرّة عن جدول الاجتماعات المحدد، وبِكُلّ صراحة وجرأة طرح همّ الصناعيين والمصدرين الأردنيين لمصر، والعقبات التي تُمارس ضدهم من مشاكل إداريّة وفنيّة شكّلت عائقا حقيقيّاً أمام انسياب السلع الأردنيّة للسوق المصريّة وبمنتهى الشفافيّة أمام رئيس الوزراء في البلدين، الأمر الذي أثار اهتمام مُباشر من قبل المسؤولين المصريين وعلى رأسهم رئيس الوزراء المصريّ الذي وعد شخصيّاً بِمُتابعة هذا الملف وتحقيق العدالة فيه وإزالة الاختلالات والمعيقات أمام السلع الأردنيّة.
هذا الطرح من قبل رئيس غرفة صناعة الأردن فتح مَلف نِقاش من قبل معنيين عن حقيقة قوة المفاوض الرسميّ الأردنيّ في متابعة القضايا التي تهم القطاع الصناعيّ المُصدّر والذي هو بحدّ ذاته مع منتجاته يُشكّل سفيراً للمملكة في الدول المُصدّر إليها، وهذا الطرح يُعيد من جديد فتح النقاش من جديد حول الاتفاقيات الاقتصاديّة الثنائيّة والدوليّة التي وقعها الأردن في العقدين الماضيين لتعزيز حضوره الاقتصاديّ على الخارطة العالميّة.
دائما كانت الحكومات تُتهم بأنها مُتقاعسة في حماية الصناعة والصادرات الوطنيّة، وأنها تأخذ بالحسبان الأبعاد السياسيّة في علاقاتها مع مُختلف الدول، علماً أن الأطراف الدوليّة الأخرى تُمارس متناقضات واضحة في اتفاقياتها الاقتصاديّة مع المملكة، من إغراق ودعم مباشر وغير مباشر لسلعها المصدّرة للأردن وغيرها من أشكال الدعم التي تؤدي في النهاية إلى عدم تمكّن مُنافسة السلع الأردنيّة لنظيراتها المستوردة، مما ألحق أكبر أذى بالسلع الأردنيّة وتنافسيتها، وكبد الكثير من المصانع الأردنيّة خسائر فادحة بعضها خرج من السوق ولم يعد قادراً على الاستمرار.
الحُكومة اليوم وعلى ضوء التحدّيات الكُبرى يجب أن تقوم باتخاذ خطوات اقتصاديّة مهمة تجاه القطاع الصناعيّ تتمثل في معالجة التحدّيات المزمنة التي تشكل كابوسا حقيقيّاً على الأنشطة الصناعيّة المختلفة، وأن يكون برنامج عملها الرسميّ الاقتصاديّ، وأن تتجاوز نصائح البنك الدوليّ بأن الأردن دولة خدمات وبالتالي لا مستقبل للصناعات الوطنيّة.
أي زائر لمدينة القسطل الصناعيّة سَيُصاب بالذهول من نوعية الاستثمارات الصناعيّة المُستثمرة في المدينة الصناعيّة هُناك، ففيها الجودة العاليّة والمواصفات العالميّة، والتنوع السلعيّ الذي يغزوا أكثر من 130 سوقاً تقديريّاً في العالم، وتمتلك هذه الاستثمارات حضورا متميزا في الخارج، وسمعة عالية، مكّنتها من دخول اصعب الأسواق مثل الأمريكيّة والأوروبيّة.
اليوم، الحُكومة مُطالبة بفتح اتفاقيات التجارة الحرّة مع الدول الموقعة معها على مصراعيها، وتبيان الخلل الإجرائيّ الحاصل في تنفيذها، والتفاوض على أُسس جديدة تُعيد حقوق المصدرين الأردنيين، وفي حال عدم الوصول إلى تفاهمات مع الدول المُختلفة، فان مبدأ المعاملة بالمثل كفيل بتحقيق العدالة بين الدول من جهة، والصناعة الوطنيّة من جهة أخرى.
الملف السابق يقودنا لمطالبة الحكومة باتخاذ خطوات اقتصاديّة إجرائية فيما يتعلق بكلف الطاقة التي فعلا اليوم باتت الكابوس الأكبر على استمرارية الأنشطة الصناعيّة، فالصّانع الأردنيّ اليوم يدفع أعلى ثمن طاقة في المنطقة أن لم يكن في العالم، وهو الوحيد الذي لا يشعر بأيّة فروقات لانخفاض أسعار النفط والغاز بسبب هيكل التسعيرة الحكوميّة والكم الهائل من الرسوم والضرائب التي تتقاضاها الحكومات من تعرفة المحروقات، مما جعل تنافسيّة الصادرات الاردنيّة حتى مع الدول التي لدينا معها اتفاقيات وتفاهمات اقتصاديّة صعب للغاية، والعراق اليوم اكبر مثال على هذا الموضوع، فرغم كُلّ الاتفاقيات والمفاوضات والتفاهمات التي وقعتها وألزمتها الحكومة مع نظيرتها العراقيّة والوعود والاستثناءات إلا انه بِكُلّ أسف واصلت الصادرات الوطنيّة للعراق بالتراجع وبلغت نسبتها في الإحصاءات الأخيرة 3 بالمئة خلال الثلث الأول من هذا العام.
لا يمكن للحكومة أن تعزز جهودها في مكافحة البطالة وتوفير فرص عمل جديدة، دون اللجوء لتعزيز تنافسيّة الصناعة الوطنيّة وتخفيض الكُلف عليها وحمايتها من أيّة ممارسات غير رشيدة في الاتفاقيات الاقتصاديّة المختلقة، فهي المشغل الأكبر للعمالة (280 الف عامل)، غالبتهم من الأردنيين، وهي مصدر جذب التكنولوجيا والعملات الصعبة في آن واحد.
الدستور