البشير يكتب: السؤال النيابي، والفساد، وجريمة المصدقة الكاذبة
المحامي الدكتور سعد علي البشير*
لمجلس النواب الأردني وظيفتان أساسيتيان هما التشريع، والرقابة، حيث تعتبر الرقابة المهمة الثانية لمجلس النواب نظراً لدورها الكبير في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية، ولكي يتمكن المجلس من أداء هذه المهمة فقد حدد نظامه الداخلي أدوات الرقابة البرلمانية وآلية استخدامها، ومن هذه الأدوات السؤال والذي هو طبقاً للمادة (125) من النظام الداخلي لمجلس النواب:" ... استفهام العضو من رئيس الوزراء أو الوزراء عن أمر يجهله في شأن من الشؤون التي تدخل في اختصاصاتهم أو رغبته في التحقق من حصول واقعة وصل علمها إليه أو استعلامه عن نية الحكومة في أمر من الأمور"، ويأتي السؤال النيابي هنا تأكيداً للمادة (96) من الدستور الأردني التي تنص على أنه:" لكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أن يوجه إلى الوزراء أسئلة واستجوابات حول أي أمر من الأمور العامة وفاقاً لما هو منصوص عليه في النظام الداخلي للمجلس الذي ينتمي إليه ذلك العضو، ولا يناقش إستجواب ما قبل مضي ثمانية أيام على وصوله إلى الوزير إلا إذا كانت الحالة مستعجلة ووافق الوزير على تقصير المدة المذكورة"، وعلى من وُجه إليه السؤال أن يجيب خلال مدة لا تتجاوز أربعة عشر يوماً، ويتمثل دور النائب في سؤاله النيابي بكونه صلة الوصل ما بين المواطنين والحكومه، خاصة وأنه يمثل هذه الفئة أو تلك من المواطنين أمام السلطة التنفيذية وينطق باسمهم ويستقبل همومهم وطلباتهم لتتولى الحكومة تنفيذها والتواصل معهم.
وفي حال تم التهرب من الإجابة على هذه الأسئلة النيابية أو تم الإجابة عليها بشكل غامض أوغير واضح، أو بشكل كاذب؛ فيغلب على أن الأمر يتراوح بين موضوعين الأول فساد مالي، والثاني فساد إداري، وفي كلتا الحالتين يكون الموضوع من الجهة القانونية أمام مصدقة كاذبة مكتملة الأركان، فقد جاء في قرار لمحكمة التمييز الاردنية بصفتها الجزائية رقم 621/2004 (هيئة خماسية) تاريخ 24/5/2004
أن أركان جريمة إعطاء مصدقة كاذبة هي :-
1- أن تصدر المصدقة من موظف مختص حال ممارسته وظيفة عامة أو شخص مكلف بخدمة عامة أو شخص عامل في نطاق المهن الطبية أو الصحية أو أي جهة أخرى.
2- أن يقوم الجاني بتغيير الحقيقة أي أن يجعل واقعة كاذبة في صورة واقعة صحيحة.
3- أن تكون هذه المصدقة الكاذبة قد أعدت لكي تقدم إلى السلطات العامة، أو أن يكون من شأنها أن تجر لنفسه أو إلى غيره منفعة غير مشروعة أو أن تلحق الضرر بمصالح أحد الناس.
4- أن يتوفر لدى الجاني القصد الجرمي بأن يكون قد أعطى مصدقة كاذبة، وهذا القصد يقوم على العلم والإرادة....".
وبناءً على أحكام المواد: (23)، و(25) و(26/2) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني، فالمادة (23) منه تنص على أنه:" يجري المدعي العام الملاحقات القانونية بشأن الجرائم التي يتصل خبرها بعلمه إما من تلقاء نفسه، أو بناء على أمر من وزير العدلية أو أحد رؤسائه"، فيما تنص المادة(25) من ذات القانون على أنه:" على كل سلطة رسمية او موظف علم أثناء اجراء وظيفته بوقوع جناية او جنحة أن يبلغ الامر في الحال المدعي العام المختص وان يرسل اليه جميع المعلومات والمحاضر والاوراق المتعلقة بالجريمة "، فيما نصت المادة(26/2) من ذات القانون بأن:" كل من علم في الأحوال الأخرى بوقوع جريمة يلزمه أن يُخبر عنها المدعي العام". إن ما سبق يُلزم كل نائب في البرلمان الأردني تلقى أجوبة كاذبة أو مضللة، أو مخالفة للحقيقة؛ أن يتوجه فوراً إلى المدعي العام ويبلغ عن هذا الموضوع، وعلى كل مدع عام أن يُجري الملاحقة القانونية بشأن الجرائم التي يتصل خبرها بعلمه من تلقاء نفسه سواءً وصلت إليه عن طريق الإعلام أو عن طريق الإبلاغ، وعلى كل موظف أو مواطن إخبار المدعي العام فور علمه بواقعة فساد، حتى ولو كانت بدايتها مصدقة كاذبة؛ فواجبنا القضاء على الفساد والفاسدين لأن الله لا يحب المفسدين، ولنا في قول جلالة الملك عبد الله الثاني: نــريــد كســر ظهـــر الفســاد ولا أحــد فــوق القانـــون، خير دليل على توجه جلالته والحكومة نحو القضاء على الفساد، وتبدأ هذه المسألة بالتبليغ عن الفساد والفاسدين وما المصدقة الكاذبة، والأجوبة المضللة للحقيقة إلا أحد صور الفساد المالي والإداري، والسؤال هنا هل ستحرك الحكومة الدعوى الجزائية بحق من أصدر أو سيصدر مصدقة كاذبة بالإجابة على الأسئلة النيابية بصورة مغايرة للحقيقة لتتحقق رؤية جلالة الملك المعظم: نــريــد كســر ظهـــر الفســاد ولا أحــد فــوق القانـــون؟
* عضو مجلس إدارة الاتحاد الدولي للحقوقيين، والمستشار القانوني لمركز سيادة القانون وحقوق الإنسان