لنا الله!
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/17 الساعة 00:29
حلمي الأسمر
-1-
لنا الله، أو بالعامية: إلنا ألله، كلمة كثيرا ما تتردد على ألسنة الخلق، حينما تضيق بهم الحياة، وهي تفيد أن باب الله مفتوح حتى قبل أن يطرقه من يلجأ إليه، ولذا يقال أن فلانا «على باب الله» فهو مُسلّم أمره لربه بالكامل، ولا يتعب نفسه في مقارعة البشر، أو حتى البحث عما يتعب عقله!
-2-
على طريقة بعض رجال الدين الأولين، في عصور غابرة، وربما لاحقة، ثمة من يحتكر النطق باسم الإله عز وجل، ويتصرف وكأن الله جلت قدرته مِلكه لوحده، تعالى الله عن هذا علوا كبيرا، فهو يوزع الكفر والإيمان على هواه، يدخل من يشاء الملة ويخرج من يشاء، بل يحدد من يقبل ربنا توبته ومن يرفضها، وقد يستبد به هذا المرض إلى حد إعداد قوائم بأسماء من سيدخل الجنة، ومن سيُستبعد منها، كأن مفاتيح الجنة والنار في جيبه!
-3-
تحدث العلماء عن هذه الظاهرة، التي تسمى «التألّي» على الله عز وجل، والـتألي في الأصل معناه: الحلف، والتألي على الله يكون بحلف العبد ألا يفعل الله كذا، كأن يقول: والله لا يغفر الله لفلان، أو لا يرحمه.
جاء في تاج العروس: ... وقالَ الفرَّاءُ: {الائْتِلاءُ الحَلِفُ؛ وَبِه فُسِّر قَوْلَه تَعَالَى: {وَلَا} يَأَتلِ أُولُو الفَضْلِ}، أَي لَا يَحْلِفُ؛ وَفِي الحدِيثِ: (وَيْلٌ للمُتَأَلِّينَ مِن أُمَّتِي)، يعْني الَّذين يَحْكمونَ على اللَّهِ، ويَقولُونَ فلانٌ فِي الجَّنةِ، وفلانٌ فِي النارِ. وقيلَ: التَّأَلِّي على اللَّهِ أَنْ يقولَ: وَالله لَيُدْخِلَنَّ فلَانا النارَ.
جاء في صحيح مسلم وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث أن رجلًا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك!
-4-
من التطبيقات «المعاصرة» للتألي، شيوع آفة التكفير والتفسيق، واستسهال تخطيء البعض للبعض الآخر، باعتبار أن أحدهم يمتلك مفاتيح الحكمة، و»المسطرة» التي يقيس بها إيمان الناس وربما إخلاصهم، لهذا ربما يحرص الأتقياء حين يمتدحون شخصا ما على القول: ولا نزكي على الله أحدا، لأن الله عز وجل أعلم بالسرائر، وليس من حق أحد أو صلاحيته الاطلاع على نوايا الخلق ودواخلهم سواه عز وجل، فهو وحده القادر على تصنيفهم ومعرفة سرائرهم!
-5-
ما يدفعني لإثارة مثل هذه القضية، ذلك النفس النرجسي الذي يشيع في أحاديث بعض الوعاظ والدعاة، والمثقفين الإسلاميين، حينما يتحدثون بصيغة الجزم على صحة عقائد خصومهم، أو حينما يبتدعون تصنيفات معينة للناس، فهذا كذا وذاك كذا، وكأنهم أوصياء على الدين وأهله، وهو سلوك مستفز يجافي الخلق القويم، وربما يكون سببا من أسباب شيوع الفتن بين الناس، وقد يتطور الأمر لدى فئة من الناس، فيحسبون أن الله عز وجل لهم وحدهم دون الخلق جميعا، وتلك أعلى مراحل الجهل والتفكير السقيم، وتختلف تماما عن قول العوام المُسلّمين بقضاء الله وقدره: لنا الله، أو إلنا ألله!
الدستور
-1-
لنا الله، أو بالعامية: إلنا ألله، كلمة كثيرا ما تتردد على ألسنة الخلق، حينما تضيق بهم الحياة، وهي تفيد أن باب الله مفتوح حتى قبل أن يطرقه من يلجأ إليه، ولذا يقال أن فلانا «على باب الله» فهو مُسلّم أمره لربه بالكامل، ولا يتعب نفسه في مقارعة البشر، أو حتى البحث عما يتعب عقله!
-2-
على طريقة بعض رجال الدين الأولين، في عصور غابرة، وربما لاحقة، ثمة من يحتكر النطق باسم الإله عز وجل، ويتصرف وكأن الله جلت قدرته مِلكه لوحده، تعالى الله عن هذا علوا كبيرا، فهو يوزع الكفر والإيمان على هواه، يدخل من يشاء الملة ويخرج من يشاء، بل يحدد من يقبل ربنا توبته ومن يرفضها، وقد يستبد به هذا المرض إلى حد إعداد قوائم بأسماء من سيدخل الجنة، ومن سيُستبعد منها، كأن مفاتيح الجنة والنار في جيبه!
-3-
تحدث العلماء عن هذه الظاهرة، التي تسمى «التألّي» على الله عز وجل، والـتألي في الأصل معناه: الحلف، والتألي على الله يكون بحلف العبد ألا يفعل الله كذا، كأن يقول: والله لا يغفر الله لفلان، أو لا يرحمه.
جاء في تاج العروس: ... وقالَ الفرَّاءُ: {الائْتِلاءُ الحَلِفُ؛ وَبِه فُسِّر قَوْلَه تَعَالَى: {وَلَا} يَأَتلِ أُولُو الفَضْلِ}، أَي لَا يَحْلِفُ؛ وَفِي الحدِيثِ: (وَيْلٌ للمُتَأَلِّينَ مِن أُمَّتِي)، يعْني الَّذين يَحْكمونَ على اللَّهِ، ويَقولُونَ فلانٌ فِي الجَّنةِ، وفلانٌ فِي النارِ. وقيلَ: التَّأَلِّي على اللَّهِ أَنْ يقولَ: وَالله لَيُدْخِلَنَّ فلَانا النارَ.
جاء في صحيح مسلم وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث أن رجلًا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك!
-4-
من التطبيقات «المعاصرة» للتألي، شيوع آفة التكفير والتفسيق، واستسهال تخطيء البعض للبعض الآخر، باعتبار أن أحدهم يمتلك مفاتيح الحكمة، و»المسطرة» التي يقيس بها إيمان الناس وربما إخلاصهم، لهذا ربما يحرص الأتقياء حين يمتدحون شخصا ما على القول: ولا نزكي على الله أحدا، لأن الله عز وجل أعلم بالسرائر، وليس من حق أحد أو صلاحيته الاطلاع على نوايا الخلق ودواخلهم سواه عز وجل، فهو وحده القادر على تصنيفهم ومعرفة سرائرهم!
-5-
ما يدفعني لإثارة مثل هذه القضية، ذلك النفس النرجسي الذي يشيع في أحاديث بعض الوعاظ والدعاة، والمثقفين الإسلاميين، حينما يتحدثون بصيغة الجزم على صحة عقائد خصومهم، أو حينما يبتدعون تصنيفات معينة للناس، فهذا كذا وذاك كذا، وكأنهم أوصياء على الدين وأهله، وهو سلوك مستفز يجافي الخلق القويم، وربما يكون سببا من أسباب شيوع الفتن بين الناس، وقد يتطور الأمر لدى فئة من الناس، فيحسبون أن الله عز وجل لهم وحدهم دون الخلق جميعا، وتلك أعلى مراحل الجهل والتفكير السقيم، وتختلف تماما عن قول العوام المُسلّمين بقضاء الله وقدره: لنا الله، أو إلنا ألله!
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/17 الساعة 00:29