رعاية القطاع الصحي

مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/30 الساعة 03:16
أذكر ذات يوم أن والدي رحمه الله عاد للمنزل، وهو يشكو من طبيب الأسنان لأنه لم يتقن عمل تركيبة سنية، فلم يتمكن والدي من إغلاق فمه أو من الأكل بشكل مريح. استمرت شكوى والدي العجوز لأيام، فاصطحبته وعدت به الى الطبيب، فدخلت عليه وأخبرته أن هناك خطأ بتركيب هذه الأسنان، فضحك الطبيب، وقال: للأسف، لست أنا من فعلها، سائلا والدي:هل أنا من قمت بتركيبها لك، فأجاب: لا، طبيب آخر. صمت الطبيب، وهز رأسه بتهكم وغيظ، وقال: «زميلي في العيادة الملاصقة، خريج جديد من إحدى الدول الأجنبية، انتحل صفتي أكثر من مرة، واليوم حلت مشكلته نهائيا، فقد اعتدى عليه أحد المراجعين بالضرب المبرح، بسبب أخطائه المتكررة مع المرضى، وولى هاربا خارج عيادته، واعتقد أنه لن يعود(...)، لكن الأهم أن طبيب الأخطاء المتكررة لم يعد وغادر إلى أحدى الدول الشقيقة. القصة تؤشر على تدني مهنية بعض الأطباء، وهذا موجود في كثير من الدول، إذ تتفاوت قدراتهم، لكن ثمة أخطاء لا يمكن السكوت عنها في تخصصات حساسة قد تقود لأخطاء قاتلة، وقد حدث ذلك فعلا، وقضت محاكم أردنية بمبالغ تعويضية لعدد من الحالات ليس هنا مجال ذكرها مع أنني أعرف احداها. ما يحدث من أخطاء تكون الحكومة أحيانا سببا فيه بشكل غير مباشر، وخصوصا عندما يهرب الأطباء الأكفياء إلى خارج البلاد، طلبا لرواتب أعلى، ما يسبب لدينا نقصا في تخصصات مهمة وحساسة، وبالتالي مطلوب من الحكومة إعادة النظر في سلم رواتب الأطباء وتقديم مزيد من التدريب والتأهيل والحوافز لهم للبقاء داخل البلاد، لخدمة أهلهم ومواطنيهم أسوة بما هو معمول به في الخدمات الطبية الملكية. شاهدت في مستشفيات حكومية أطباء مشتتين فاقدي التركيز، كان أحدهم يخيط جرح مريض وحوله عشرات من مراجعين كل منهم يتحدث معه، ويسأله عن دوره، وبعضهم كان يرفع صوته،ويطلق الشتائم، فقلت له: أعانك الله، فرد بقوله: أنا نادم لأني درست الطب. والواقع لا يختلف كثيرا في بعض المستشفيات الخاصة، ففي أحد المستشفيات الخاصة ذات السمعة المحترمة، شاهدت ممرضين اثنين وطبيبا واحدا يناوب ليلا وسط ضغط رهيب للمراجعين، حتى أن الممرضة قالت: إنه عصر العبودية الجديد، يريدون أن يمتصوا دماءنا قبل أن يدفعوا لنا الراتب. تدني مهنية، أخطاء طبية محتملة، أقسام طوارئ مكتظة، اعتداء على الأطباء والممرضين، فترات انتظار تصل إلى أشهر للحصول على صورة رنين، قلة في عدد الأسرة...كلها أزمات يزداد ظهورها على السطح تباعا، وقادم الأيام يحمل معه مفاجآت ليست سارة ما لم تتول الحكومة هذا الملف بشكل جدي، تخفف فيه عناء المواطن والطبيب والممرض. ما أخشاه أيضا أننا في قادم الأيام، لن نتمكن من المباهاة بأن لدينا أطباء مهرة، وكوادر طبية متميزة في مختلف التخصصات، بل نصرخ من شدة النقص والتأهيل في المستشفيات والمراكز الحكومية، وقد نفقد جزءا كبيرا من السياحة العلاجية، وأخشى أن يتزايد عدد الأردنيين الأثرياء ممن يطلبون الخدمة العلاجية بالسفر إلى دول أخرى لأسباب مهنية، فهم ومن بينهم مسؤولون يعزفون منذ سنوات عن الطبابة الحكومية، ليسطروا نموذجا سلبيا بعدم الثقة بصروحنا الطبية التي يطلبون من المواطن تلقي الخدمة فيها دون شكوى باعتبارها خمس نجوم. الرأي
  • محاكم
  • الملك
  • صورة
  • الأردن
مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/30 الساعة 03:16