فراغٌ مملوءٌ بالفراغ

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/16 الساعة 01:25
يصعب الاطمئنان ايامنا هذه الى صواب الحكم على الحوادث والاشخاص، لما نعلمه من صعوبة الوقوف على حقائق الاشياء، ولتناقض الاخبار وتخالف الروايات، ولارتفاع منسوب الاكاذيب، حتى صار يمكن القول ان مهمة الاعلام هي التعمية لا الكشف، والاغماض لا الايضاح، وحتى بات تكثر «التقارير» عن الواقعة الواحدة مُلحقاً اياها بالاساطير وبمعجبات التقادير، الامر الذي اتاح لضروب «التخمينات» ان تتفاقم وتتعاظم على حساب «التحقيقات» ولمتُشابِهات التأويل ان تحل محل «مُحْكَماتِ» النظر والتعليل. وان يتفاصح من «لا يعلمون» حقيقة «ما هنالك» بما لو طالبتهم بدليل على ما يقولونه لاعجزهم الرد، وأُبلِسوا، وغشيتهم الحيرة، وبالجملة فان النتيجة المنتظرة في ضوء ما تقدم ان لا احد يملك «علماً» بما يجري، لا السادة المتحذلقون ولا جموع الناس الذين يستمعون اليهم، وان الحقيقة هي ابعد شيء منالا، وان لا مطلب للوعي متحققا وراء الظنون، فانظر الى ذلك كله، وانظر في الوقت نفسه الى طوائف من الخَلْقِ لا يتورعون عن اطلاق الاحكام قاطعة فاصلة في الاشخاص والاحداث والسياسات، لكأنهم يشهدون – رأي العين – ما يؤهلهم لاطلاق احكامهم، لا يعنيهم تحقق ولا تدقيق، ولا تلبث حذر الخَطَل، ويسيلون مسيل الماء الآسن في الارض الوطيئة او مسيل الفساد في الجهالة المستحكمة.

وان لنا ان نتصور، الى ما تقدم، ما تفعله في مطار الاخبار ومنبعثاتها، رياح السياسات والاهواء واللّبانات والمطامع، وما يفعله الترغيب والترهيب في سدنة وكالات الانباء وادارات الصحف والفضائيات، وما يرسمه خبراء مراكز الدراسات من طرائق لغسل الاذهان واستلاب الضمائر، او لحرف الوعي او توجيهه الى بُنيات الطريق دون الجادة الواضحة التي ينتهي منها سالكها الى ما يطمئن اليه من حقيقة او رواية مطابقة لما جرى موثوقة.

ثم ان هناك فراغا لا بد ان يملأوه. ولو تركوه فراغا قائما، قابلا للاحتمالات، او لامكان ان تتخايل فيه اطياف الحقائق، ولو بعد حين، لكان ذلك اجدى من ملئِهِ بفراغٍ مثِلِهِ، ولكنه الفسادُ الاعظم في الضمائر قبل التياث العقول، وخبطها في المعقول واللامعقول، هو المسؤول عن هذه الثرثرة فيما لا يُسمن ولا يغني، وما إن فتّشْتَهُ وجدته هباءً منثورا.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/16 الساعة 01:25