عامل وافد

مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/23 الساعة 01:49
في «الكازية» العامل الذي يقوم بتعبئة البنزين وافد عربي. ليس هنا فحسب، قبل أيام دخلت على صيدلية لشراء دواء للدهون الثلاثية صدمتني لهجة الصيدلاني، وبعد حوار سريع تعرفت على هويته دون أن اوجه له سؤالا مباشرا، فتبين أنه وافد عربي ايضا. وانتقلت بعدها بقليل من الوقت الى سوبر ماركت في مول شهير في شارع المدينة المنورة، وعلى الكاش تفاجأت أن الموظف وافد عربي أيضا.
دخلت بعدها بأيام على مستشفى خاص لاجراء فحص للدم والضغط والسكري تفاجأت أيضا، واعذروني على كثرة المفاجآت بان الممرضة وافدة آسيوية، والطبيب على ما يبدو من لهجته بانه غير أردني. وبعد ما طلعت من المستشفى توجهت الى مطعم، جلست لتناول كأس عصير بارد، وإذ إن العامل الذي يقدم العصائر وافد آسيوي، وعامل الارجيلة بنغالي، والذي قام بركن سيارتي على باب المطعم وافد اسيوي.
كل هذا بسيط، واعذروني قليلا، اتصلت بفندق في البحر الميت للاستفسار عن الحجز، فموظفة الاستقبال وخدمات الزبائن وافدة عربية. ولقدر ما أثار الموقف انتباهي سألتها ما جنسيتك أو أني مخربط بالاتصال، فقالت : نعم لست اردنية، ولست وحيدة إنما هناك مجموعة كبيرة من العمال الوافدين يعملون في فنادق البحر الميت وغيرها في خدمات الزبائن.
ضحكت من كل قلبي، عندما أبلغني صديقي أن والده لا يشغل الا سائقين وافدين وتحديدا بنغال. كل هذه الملاحظات عفوية وبالصدفة، وليست من باب التحري والاستقصاء والتتبع للعمالة الوافدة، فماذا لو دخلنا الى مطابخ المطاعم والفنادق لوجدنا كما هائلا من العمال الوافدين، وحدث بلا حرج عن القصور والمنازل الفارهة في دابوق وعبدون ودير غبار التي يشغل واحدها عشرات العمال الاسيويين.
وفي وسط البلد مثلا اصبحنا نصطدم بآسيويين مشغلين بسطات خضار وفواكه وملابس وسيديات مقرصنة وخلويات ومواد منزلية، نثريات. لا أعرف، كيف تقف الجهات المعنية صامة إزاء انسياب لا محدود للعمالة الوافدة اللاقانونية ؟ وكيف يدخلون الى المملكة ؟ ومن يسهل حصولهم على تأشيرات في المطار علما بانهم من جنسيات مقيدة وممنوع استقدامها الا بموافقات حازمة وصارمة ومشغولة بالبيروقراط .
مهن بالقانون محظورة على العمال الوافدين آسيويين وغيرهم. والى آخر ما هنالك من مهن كثيرة، ولربما أكثرها إثارة، السواقة، وحيث يحرص البعض على تشغيل سائقين بنغال سواء لخدمات المكتب أو «المنزل».
بالطبع، سوق العمل الأردني وصل الى التخمة من العمالة الوافدة، نحو مليون عامل وافد مصري، ونصفهم غير حاصلين على تصاريح عمال، والى جانب عمالة سورية عددها يوازي المصريين، ويطارد الأردنيين على المهن اليدوية والحرفية وحتى الخدماتية والمكتبية.
و أحيانا الحكايا على عارضها هي التي تجلب الاهتمام بالقضايا والمواضيع، فقبل أيام أبلغني صديق كان متضمنا لكافتيريا باحدى المؤسسات الحكومية بان مواطنا سوريا قد رسا عليه عطاء تشغيل الكافتيريا.
وفي الوقت نفسه الأردنيون يعانون من البطالة، ويعانون من الفقر أكثر، ويعانون من تزاحم على فرص العمل مع العمال الوافدين، وتخمة سوق العمل تستدعي من الحكومة التوقف عن الاستقدام، ويستدعي تبني سياسات صارمة ورادعة في تنظيم سوق العمل الأردني، فالاقتصاد ليس بحمل تهريب أو تحويل أي دولار أو عملة صعبة مهما كان مقدارها.
البعض من طبقة الاثرياء والاغنياء، يخفوا على البلد قليلا، فالأردن ليس بلدا نفطيا، حتى يشغل فلانا وعلانا 3 عمال بنغال في منزله. لا ادري، ألا يعلمون ما يواجه الأردن من تحدٍّ ومحنة اقتصادية وسياسية واجتماعية؟ أم إنهم من جماعة ماري أنطوانيت، وتذكرون قصتها الشهيرة إبان الثورة الفرنسية عندما ثار الفرنسيون من أجل الجوع، ودعتهم في بيان شهير الى تناول البسكويت.
أسئلة لا رابط بينها سوى حوادث متفرقة تحمل دلالات خطيرة، على حقيقة ما يجري تحت السطح في قضايا البطالة والفقر والتنمية والجوع، وغيرها من العناوين الفاضحة لبؤس بعض السياسات.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/23 الساعة 01:49